فهرس الكتاب
الصفحة 4 من 83

طريق، وإيثاره بالنفس والمال في كل موطِن، وحفظه وحمايته من كل مؤذٍ، وإن كان الله قد أغنى رسوله عن نصر الخلق، ولكن ليبلوا بعضكم ببعض، وليعلم الله من ينصره ورسلَه بالغيب، ليحق الجزاء على الأعمال كما سبق في أم الكتاب أن أذكر ما شرع من العقوبة لمن سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم مِن مسلمٍ وكافر وتوابع ذلك ذكراً يتضمن الحكم والدليل، ونقل ما حضرني في ذلك من الأقاويل وإرداف القول بحظِّه من التعليل، وبيان ما يجب أن يكون عليه التعويل، فأما ما يقدره الله عليه من العقوبات فلا يكاد يأتي عليه التفصيل، وإنما المقصد هنا بيان الحكم الشرعي الذي يفتى به المفتي، ويقضي به القاضي، ويجب على كل واحد من الأئمة والأمة القيام بما أمكن منه، والله هو الهادي إلى سواء السبيل" [1] ، قلت: وكذلك فعل رحمه الله في هذا السِفر العظيم فلقد أجاد وأفاد وجمع وفصَّل وردَّ بما لم يُسبق إليه، فرحمه الله برحمته الواسعة."

ولما رأيت ما في الهمم من قصور وتقاصر عن استقراء مثل هذه الكتب الجليلة عزمت بعد أن استخرت الله عز وجل على تأليفٍ موجزٍ مختصر يتسع وقتُ كل مسلم غيور على دينه وعِرض نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأه ويتعلم حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء ليدين لله تعالى به وليعمل - كما أشار شيخ الإسلام - منه بحسب إمكانه، إذ واجبٌ على الأمة ذلك، ولم ألتزم بذكر جميع مسائل وأدلة واستدلالات الكتابين، وإنما ذكرت ما تيسر على سبيل الاختصار دون إخلالٍ بالمقصود، وأوصي من اتسع له الوقت وأسعفه الجهد أن يعود إلى الأصلين لا سيما طلاب العلم فإن فيهما من النفائس الشيء الكثير.

ولقد رتبتُ مادة هذا الكتاب في فصولٍ خمسة، عرضت في الأول منها شيئاً من مكانة النبي صلى الله عليه وسلم الواجبة عند المؤمنين، وتناولت في الثاني بعض ما صان الله تعالى به جناب النبوة، وتكلمت في الثالث على صفة سب النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وعمل الصحابة وأقوال أهل العلم على كفر شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب قتله في الفصل الرابع، وأما الفصل الخامس فتناولت فيه بعض الشبهات المتعلقة بهذا الحكم ثم ذيلت بالخاتمة، وسميته إسعاف المؤمنين بنصرة خاتم المرسلين، حيث تتوالى الخطوب تترى فلا بد من مرجعٍ وجيزٍ يشفي الصدور ويأتي على المجرمين بالهلاك والثبور بإذن الله، ويسر الله جمعه في أواخر رمضان وإتمامه في غرة شوال فأسأله تعالى القبول.

ولا بد من بيان أننا رغم ما يكتنف قلوبنا من الغيظ والألم تجاه هؤلاء المارقين، فإننا ثقة كل الثقة بأن الله تعالى منجز وعده وناصر جنده وهازم حزب عدوه، لا نماري في ذلك كما لا نماري في طلوع الشمس في وضح النهار، ولكنها سنة الله في الابتلاء قبل التمكين، ولعل ما ينتابنا اليوم من الشعور بالأمل الممتزج مع الألم قريبٌ من شعور أهل الثغور الذي نقله شيخ الإسلام حين كانوا يتألمون لما يسب به بعض أهل الكفر المحاصَرين الممتنعين النبي صلى الله عليه وسلم، فيستبشرون بفتح الله تعالى عليهم، فإذا بالحصن يُفتح والعدو يُقهر وكلمة الذين كفروا سافلة وكلمة الله تعالى هي العليا كانت ولم تزل، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

(1) الصارم المسلول - ابن تيمية - 2/ 7 - 9

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام