يُحرس حتى نزلت هذه الآية:"والله يعصمك من الناس"، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله" [1] . وقال تعالى:"إنا كفيناك المستهزئين" [2] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومن سنة الله أن من لم يمكِّن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله، فان الله سبحانه ينتقم منه لرسوله- صلى الله عليه وسلم - ويكفيه إياه كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفترى، وكما قال سبحانه:"فاصدَع بما تُؤمر وأعرِض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين" [3] ، والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً مِن هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السِيَر والتفسير وهم على ما قيل نفرٌ من رؤوس قريش، منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسودان بن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس. وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يُسلم، لكن قيصر أكرمَ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمَ رسولَه فثبت ملكُه، فيقال إن الملك باقٍ في ذريته إلى اليوم، وكسرى مزَّقَ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله اللهُ بعد قليل، ومزَّق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة ملك" [4] . وقد أخرج الطبراني رحمه الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:"إنا كفيناك المستهزئين"قال: المستهزئون الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب أبو زمعة من بنى أسد بن عبد العزى، والحارث بن غيطل السهمي، والعاص بن وائل السهمي، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه أبا عمرو الوليد بن المغيرة فأومأ جبريل إلى أبجله [5] فقال: ما صنعت شيئاً. فقال: كفيتكه. ثم أراه الحارث بن غيطل السهمي فأومأ إلى بطنه. فقال: ما صنعت شيئاً. فقال: كفيتكه. ثم أراه العاص بن وائل السهمي فأومأ إلى أخمصه. فقال: ما صنعت شيئاً. فقال: كفيتكه. فأما الوليد بن المغيرة فمرَّ برجلٍ من خزاعة وهو يريش نبلاً [6] له فأصاب أبجله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فعمي فمنهم من يقول عمى كذا، ومنهم من يقول نزل تحت شجرة فجعل يقول: يا بني لا تدفعون عني قد هلكت أطعن بشوك في عينى، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً، فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث بن غيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه [7] من فيه فمات منها، وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يوماً حتى دخل في رجله شبرقة [8] حتى امتلأت منها فمات" [9] ، فهذه بعض نماذج انتقام الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكتب السير طافحة بمثل هذا، وقد عقد القاضي عياض رحمه الله فصلاً في كتابه النفيس الشفا بتعريف حقوق المصطفى بعنوان (عصمة الله تعالى له من الناس وكفايته مَن آذاه) ذكر فيه نماذج مثل ماتقدم [10] .
(1) سنن الترمذي - 5/ 251، وقال الترمذي: هذا حديث غريب
(2) سورة الحجر - آية 95
(3) سورة الحجر - آية 94 - 95
(4) الصارم المسلول - 2/ 316 - 317
(5) الأبجل: عرق في اليد
(6) يريش نبلاً: أي يهيء النبال لتصلح للرمي
(7) أي فضلات أمعائه
(8) شبرقة: شوكة
(9) المعجم الأوسط - الطبراني - 5/ 173 - 174، وقال الهيثمي:"رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبدالحكيم النيسابوري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات" (مجمع الزوائد - 7/ 47)
(10) الشفا - القاضي عياض - 1/ 232 - 237