بعد أن نبه الله تعالى المؤمنين على آداب التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نداءً وخطاباً واستئذاناً وهجراً لذرائع سوء الأدب معه وحفظاً لواجبات الزوجية على الوجه اللائق بمقام النبوة، نجد أن القرآن الكريم يفضح أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلنين بأذاه حتى يتميز عنهم فريق المؤمنين الذين قد كان يقع بعضهم في سوء تصرف عن غير قصد ومع ذلك ينكر الله تعالى على مثل ذلك التصرف، فإذا بالحال مع أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل التنبيه اللطيف أو التعليم الرفيق، وإنما هو الزجر والوعيد والبطش الشديد بمن تسول له نفسه الإعلان بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجد قول الله تعالى:"لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنُغرينَّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثُقِفوا أُخذوا وقُتِّلوا تقتيلاً. سنَّة الله في الذين خَلَوا من قبل ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً" [1] ، ونجد الله تعالى يفرق بين أذية سائر المؤمنين وأذية رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومن كرامته - صلى الله عليه وسلم - المتعلقة بالقول أنه فرَّق بين أذاه وأذى المؤمنين فقال تعالى:"إن الذين يؤذون الله ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" [2] " [3] ، وتأمل كيف أن الله تعالى قرن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذى الله تعالى، كما قرن طاعته بطاعته، قال ابن تيمية رحمه الله:"وفي هذا وغيره بيانٌ لتلازم الحقين، وأن جهة حرمه الله ورسوله جهةٌ واحدةٌ، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يَصِلُون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة الرسول، ليس لأحدٍ منهم طريق غيره ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يُفرق بين الله ورسوله في شئ من هذه الأمور" [4] . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:"والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، كما أن من أطاعه فقد أطاع الله"ثم ذكر حديث عبد الله بن المغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" [5] ، [6] . فهذا دليلٌ صريح علىقتران أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذى الله عز وجل، ولذلك رتب القرآن الكريم من الوعيد على إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يرتبه على إيذاء غيره من المؤمنين؛ فإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تترتب عليه اللعنة في الدنيا والآخرة مع العذاب المهين، في حين ترتب على إيذاء غيره صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والمؤمنات ترتب الإثم وحدُّ القذف. كما أننا نجد هذا التفريق بين إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإيذاء غيره من المؤمنين في موضع آخر من القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى:"إن الذين يرمون المحصَنات الغافلات المؤمنات لُعِنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم" [7] ، وقوله تعالى:"والذين يرمون المحصَنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم"
(1) سورة الأحزاب - آية 60 - 62
(2) سورة الأحزاب - آية 57 - 58
(3) الصارم المسلول - 3/ 807
(4) الصارم المسلول - 2/ 87
(5) رواه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (5/ 696) ، والإمام أحمد في مسنده (5/ 54) ،
(6) تفسير ابن كثير - 3/ 518، وقال ابن كثير رحمه الله:"ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم، فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين" (تفسير ابن كثير - 3/ 518 - 519)
(7) سورة النور - آية 23