المرتبة الثالثة: الإحسان، ركن واحد، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، والدليل قوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وقوله تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) وقوله تعالى: (الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين) وقوله تعالى: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه) .
والدليل من السنة: حديث جبريل المشهور عليه السلام، عن عمر رضي الله عنه، قال:"بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يري عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس عند النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، فقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إلَه إلا ّ الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام، إن استطعت إليه سبيلاً؛ قال صدقت"فعجبنا له: يسأله، ويصدقه.
قال:"أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الأخر، والقدر خيره وشره؛ قال: صدقت؛ قال أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك؛ قال: صدقت قال أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؛ قال: أخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربها، وأن ترى الحفاة، العراة، العالة، رعاء الشاء،"
يتطاولون في البنيان"فمضى فلبثنا ملياً فقال النبي صلى الله عليه وسلم"يا عمر: أتدرون من السائل؟ قلنا: الله ورسوله أعلم؟ قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم"."
الشَّرح:
قال المصنف المرتبة الثالثة .. الإحسان: تعريفه لغة: مشتق من الحسن ويطلق على الإتقان والإجادة. واصطلاحاً: فهو إتقان الظاهر والباطن أي إتقان الإسلام والإيمان. وهو أعلى المراتب فإذا أتقن الإنسان وأحسن في إسلامه وأتقن كذلك إيمانه فإنه يكون من المحسنين.
مسألة: أركان الإحسان: قال المصنف له ركن واحد وعرف المصنف هذا الركن"أن تعبد الله كأنك تراه"تعبد الله عبادة متقنة مجردة. ومعنى أن تعبد الله أي تذل وتخضع لله في أعمالك الظاهرة واعتقاداتك الباطنة.
وهذا الركن له مرتبتان:
(أ) مرتبة الاستحضار وتعريفها أن تعبد الله كأنك تراه [1] فتستحضر في عبادتك أنك بين يدي الله.
(ب) مرتبة الاطلاع وأشار إليها المصنف بقوله:"فإن لم تكن تراه فإنه يراك"أي أن تعبد الله وتشعر أنه مطلع عليك ويراقبك وهذا يورث أن تحسن العبادة.
"مسألة"أي المرتبتين أفضل؟ الأفضل الأولى: الاستحضار ولذلك بدأ بها في الحديث. ثم ذكر المصنف الدليل على ذلك فبدأ بالدليل على المرتبة الأولى وهو قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} .. (أي متقنون) الأعمال والاعتقادات.
(1) - وهي مرتبة المحبة والتطلع والشوق وهي أكمل.