فهرس الكتاب
الصفحة 832 من 2064

وبالجملة اتفق الأطباء على أن تفرق الاتصال سبب ذاتي للوجع وأنكره الإمام الرازي فإنه من عقر أي جرح يده بسكين شديدة الحدة في الغاية لم يحس بالألم إلا بعد زمان ولو كان ذلك أي تفرق الاتصال سببا ذاتيا قريبا لامتنع التخلف منه وحيث تخلف الألم عن القطع والتفريق ظهر أنه ليس سببا كذلك بل تفرق الاتصال الحاصل بالقطع يعد العضو لسوء المزاج الذي هو الألم وحصوله يستدعي زمانا ما وإن كان قليلا فريثما يبتدئ العضو المقطوع بالاستحالة إلى مزاج سيء يحصل الألم الذي هو مسببه وربما احتج الإمام على ما أنكره من كون تفرق الاتصال سببا ذاتيا للألم بأن التفرق عدم الاتصال عما من شأنه أن يكون متصلا وهو عدمي فلا يجوز أن يكون سببا ذاتيا للألم الذي هو وجودي بالضرورة و احتج أيضا على ذلك بأن التغذي مداخلة الغذاء لجميع الأجزاء ولا تتصور هذه المداخلة إلا بتفريق فيما بين الأجزاء فالغذاء إنما يصير جزءا من المغتذى بالفعل بأن يفرق اتصال أجزاء المغتذى ويتوسط بينها ويتشبه بها والاغتذاء حاصل لأكثر أجزاء المغتذى في أكثر الأوقات فيكون التفرق أيضا حاصلا لأكثر الأجزاء في أكثر الأوقات فيجب أن يؤلم المتغذي وليس كذلك لأن المتغذي لا يجد ألما أصلا فلا يكون التفرق مؤلما بالذات وكذا نقول إن النمو لا يحصل إلا بتفرق الاتصال مع أنه غير مؤلم بل نقول إن أعضاء البدن لا شك أنها دائما في التحلل ولا معنى له إلا أن ينفصل عن العضو ما كان متصلا به وليس هذا التحلل مختصا بظاهر العضو دون باطنه وذلك لأن المحلل هو الحرارة السارية في ظاهر العضو وباطنه فيكون تفرق الاتصال شاملا لظواهره وأعماقه مع أنه لا ألم فيه

فإن قيل التفرق الحاصل من التغذي والنمو والتحلل تفرق في أجزاء صغيرة جدا فلصغر هذا التفرق لم يحصل الألم

قلنا إن كل واحد من تلك التفرقات وإن كان صغيرا جدا إلا أن تلك التفرقات كثيرة جدا لأن هذه الأمور الموجبة للتفرق لا تختص بجزء من البدن دون جزء بل هي حاصلة في جميع الأجزاء فالتفرق الناشئ منها يعم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام