عليها لتعطلت مقاصده، وأصاب الناس حرج من جراء ذلك، وقد أشار الشاطبي رحمه الله إلى هذا المعنى في تحليله للاجتهاد التطبيقي المعروف بـ"تحقيق المناط"،
حيث ذكر أن (الأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة، فلا يكون الحكم واقعا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام) . [الموافقات 5/ 17] .
مما يؤكد أن مسألة تطبيق الشريعة من أهم ـ إن لم تكن هي أهم ـ المسائل التي تحتاج إلى فقه متمكن لا يجافي القواعد الشرعية والنصوص القطعية، ولا يتنكر في نفس الوقت للمعلوم من الدين بالضرورة، والمصالح الظاهرة.
قال حامد العلي: (قبل أن نبين هذه المسألة الجليلة، ينبغي أن ننبه إلى أن من أعظم أسباب انتشار الخلاف، وإعقابه الفتن، هو خوض من هب ودب في مثل هذه المسائل .. ولو أخذوا بمفهومي الاجتهاد، والتقليد، الذين وضعهما علماؤنا لضبط الفتوى، فلا يخوض في هذه المسائل إلا من شهد له بالعلم، واشتهر بذلك، وعرف شيوخه فيه، ثم المقلد يصمت، لقضي على أكثر هذه الفتن .. ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن عمر غضب لما سمع كلاما من عامة الناس في موسم الحج عن شأن البيعة، فقال: «إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لايضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها، فقال عمر: أما والله، إن شاء الله، لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة» .
قال ابن حجر رحمه الله: (وفيه التنبيه على أن العلم لا يودع عند غير أهله، ولا يحدث به إلا من يعقله، ولا يحدث القليل الفهم بما لا يحتمله) .
وقد شهد التاريخ الإسلامي وواقع الفرق نماذج عديدة من نمط ما نعاني منه من أنصاف أو أرباع أو أعشار الطلبة والمتعالمين؛ الذين انتهجوا ما ذكرنا، قد أهملهم التاريخ في نهاية المطاف، وكانت العاقبة للعلماء الربانيين والدعاة المرضيين من أصحاب المنهج الشرعي السليم، الراسخين في العلم الذين إذا