المبحث السابع:
فروع مهمّة
الفرع الأول: إرجاء التطبيق ليس تعطيلا
عند التعارض بين الأحكام الشرعية يقدم الحكم الذي يستند إلى أحكام كلية ضرورية، عن الأحكام الراجعة إلى ما دون الضروري، كالنهي عن سب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله، مع أنه في الأصل مأذون فيه، فالحكم الشرعي هنا هو عدم السب لما يترتب عليها من مفسدة تربو على مصلحة سب آلهتهم وهي سب الله سبحانه وتعالى.
والنهي عن قطع الأيدي في الغزو ـ أي عدم تطبيق حد السرقة ـ، فهذا حكم الله في الغزو وهو عدم تطبيق الحد، كما أن حكم الله في غير الغزو هو إقامة الحدود، فكلاهما حكم الله، فإذا زال المانع وهو الغزو عاد الممنوع إلى حكمه الأصلي وهو الوجوب أي تطبيق الحدود.
كذلك عدم تطبيق حد السرقة في المجاعة، وذلك لأن واقع تطبيق الحد غير موجود، فاختلف الواقع فكان الحكم الشرعي هو عدم القطع، وكلاهما حكم الله تعالى.
وذلك لأن لأحكام الله أسبابا وشروطا وموانع، فإذا تحقق السبب، وتخلف شرط، أو وجد مانع، لم يثبت الحكم ..
وهذه القواعد الشرعية تعمل مع الواقع فتعطي أحكاما أخرى، هي أحكام الله، كما أن عملها في الواقع كما بينا في تنزيل المصلحة على أحسن وجه بما يصلح الواقع، وحتى لا تؤدي القواعد الأصلية في الواقع عكس المقصود منها، والذي هو من حكم الله تعالى.
ولا يعني الانتقال من أحدهما إلى الآخر أنه تعطيل لحكم الله، أو تغيير من حقيقة الحكم الشرعي، إنما هو الانتقال من حكم شرعي إلى حكم شرعي آخر لاختلاف الواقع واختلاف المناط، ولما يمكن أن يترتب على إقامتها من مفاسد تربو على المصلحة المترتبة على تطبيق الحكم الأصلي، فهي أحكام شرعية تحكم الواقع في أحواله المختلفة والقصد منها تحقيق المصالح الدنيوية والأخروية، ودرء المفاسد الدنيوية والأخروية .. وكلها حكم الله، ولا يعني هذا أبدا تعطيلا للأحكام أو الحكم بشرع غير شرع الله أو التدرج ـ بالمفهوم الخطأ ـ.
يقول الشيخ أبو محمد المقدسي حفظه الله: (أما فعله ـ أي عمر ـ رضي الله عنه في عام الرمادة فهو اجتهاد