بالحاجة .. إذ إن الحاجة قد تدعو إلى تعجيل بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال، وقد تدعو الحاجة إلى تأخير هذا البيان.
وبيان ذلك أن:
1 ـ أن المبلغ لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعا ابتداء، فعليه أن يبلغ من يستطيع تبليغه.
2 ـ أن المبلغ لا يمكنه مخاطبة الناس بجميع الواجبات جملة، بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان على سبيل التدريج، فيبدأ بالأهم ويؤخر غيره .. وكذلك إذا ضاق عليه الوقت.
وهذا التأخير في البيان لبعض الواجبات لا ينفي قيام الحاجة التي هي سبب وجوب البيان، بل الحاجة قائمة إلا أن حصول الوجوب والعقاب على الترك ممتنع لوجود العارض الموجب للعجز. وهذا كالدين على المعسر، أو كالجمعة على المعذور.
3 ـ أن يكون في الإمهال وتأخير البيان من المصلحة ما ليس في المبادرة؛ إذ البيان إنما يجب على الوجه الذي يحصل به المقصود. فيكون تأخير البيان هو الحكم المأمور به، ويكون هو الواجب أو المستحب، مثل: تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - البيان للأعرابي المسيء صلاته إلى المرة الثالثة. وإنما يجب التعجيل إذا خيف الفوت بأن يترك الواجب المؤقت حتى يخرج عن وقته ونحو ذلك ..
أما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فهو جائز وواقع عند الجمهور؛ ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، و «ثم» للتراخي، فدلت على تراخي البيان عن وقت الخطاب .. وكذلك فإن كثيرا من النصوص العامة ورد تخصيصها بعد نزولها). [معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة بتصرف] .
وله حالتان:
الأولى: حالة التمكين: والمقصود هنا تمكن المسلمين من تطبيق وتنفيذ أحكام الإسلام، وفي هذه الحالة يوجد صورتان:
1 ـ مجتمع مسلم يستجيب طواعية لأحكام الإسلام دون صعوبة أو تملص، ففي هذه الحالة يجب تطبيق أحكام الإسلام كلها، تطبيقا فوريا كما بلغها وطبقها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبينها الفقهاء .. لأن القدرة موجودة والمفسدة منتفية.