ما دام موضوعنا متعلق بسياسة الناس، فمن المهم أن نعرف حقيقة السياسة لغة واصطلاحا ..
السياسة لغة: مصدر ساس يسوس.
والسوس بالضم: الطبيعة والأصل والخلق والسجية.
وسوسه القوم: جعلوه يسوسهم.
والسياسة: فعل السائس، وهو من يقوم على الدواب ويروضها.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول - صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ... » [رواه البخاري] ، قال ابن الأثير رحمه الله: ("تسوسهم الأنبياء"أي تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه) [النهاية في غريب الحديث: 2/ 421] .
وقال ابن حجر رحمه الله: ("تسوسهم الأنبياء"أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة، وفيه إشارة إلى أنه لابد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة، وينصف المظلوم من الظالم) [فتح الباري 6/ 497] .
أما معنى السياسة اصطلاحا:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: (أعني بالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة) .
قال الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله: (قال صاحب البحر في باب حد الزنا: وظاهر كلامهم ههنا أن السياسة: هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي) .
فالسياسة الشرعية على هذا هي العمل بالمصالح المرسلة لأن المصلحة المرسلة هي التي لم يقم من الشارع دليل على اعتبارها أو إلغائها.
وغير الفقهاء أرادوا بها معنى أعم من هذا يتبادر من اللفظ ويتصل باستعماله اللغوي وهو تدبير مصالح العباد على وفق الشرع.
قال المقريزي في خططه: (ويقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قوم ساسة وسوس، وسوسه القوم جعلوه يسوسهم ... ) ، فهذا أصل وضع السياسة في اللغة، ثم رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال.