المبحث الرابع:
أدلة المانعين
استدل المانعون من التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية بأدلة، أهمها:
الدليل الأول: قول الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: من الآية 3]
ووجه الدلالة من الآية: أنه ما دام الدين قد كمل والأحكام قد استقرت ـ كما بينت الآية الكريمة ـ فكيف يجوز التدرج بتطبيقه وتأجيل ما يزعم عدم إمكانية تطبيقه؟.
وما نقل من التدرج في الأحكام الشرعية إنما كان قبل استقرار الأحكام واكتمال الدين.
يقول ابن القيم رحمه الله: (وقد جاء القرآن وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل، ولم يتبع القرآن فإنه كافر، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام) [أحكام أهل الذمة 1/ 533] .
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله:(ودين الإسلام مبني علي أصلين:
أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب فيعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان، فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل، وفي أول الإسلام لما كان النبي يصلي إلى جانب بيت المقدس كانت الصلاة إليه من الإسلام، ولما أمر بالتوجه إلي الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام والعدول عنها إلي الصخرة خروجا عن دين الإسلام، فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد بما شرعه الله من واجب ومندوب ومستحب فليس بمسلم) [قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة] .
ويقول أيضا: (فدين الأنبياء واحد، وهو دين الإسلام، كلهم مسلمون مؤمنون كما قد بين الله في غير موضع من القرآن، لكن بعض الشرائع تتنوع، فقد يشرع في وقت أمرا لحكمة ثم يشرع في وقت آخر أمرا آخر لحكمة، كما شرع في أول الإسلام الصلاة إلي بيت المقدس، ثم نسخ ذلك وأمر بالصلاة إلي الكعبة، فتنوعت الشريعة والدين واحد، وكان استقبال الشام ذلك الوقت من دين الإسلام، ثم لما نسخ صار دين الإسلام هو الناسخ وهو الصلاة إلي الكعبة، فمن تمسك بالمنسوخ دون الناسخ، فليس هو علي دين