فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 117

المقدمة الثالثة: مراتب الأحكام والأعمال

اتفقت الأمة على أن الأحكام الشرعية التي كلف الله بها المسلم أنواع ومراتب، وليست على ميزان واحد .. وتنقسم إلى: واجب، ومندوب، ومحرم، ومكروه، ومباح.

كما بين العلماء ـ والأصوليون منهم بالخصوص ـ تعريف كل نوع من الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة، ووضعوا قواعد لكيفية استنباطها وأساليب التفريق بينها ..

والمصالح الشرعية مقسمة إلى: ضروريات، وحاجيات، وتحسينيات؛ وهي مرتبة بهذا الترتيب، فإن الأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية كما يقول الشاطبي رحمه الله: (ليست كالأوامر الشرعية المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية، ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات أنفسها، بل بينهما تفاوت معلوم، بل الضروريات ليست في الطلب على وزن واحد، كالطلب المتعلق بأصل الدين ليست في التأكيد كالنفس، ولا النفس كالعقل إلى سائر أصناف الضروريات، والحاجيات كذلك) .اهـ.

فلا يكفي المسلم أن يعلم ما أمر به الشرع أو ما نهى عنه، بل عليه أن يعلم أيضا درجة الأمر أو النهي، وأن ينزل كل ذلك مرتبته دون إفراط ولا تفريط.

واستقراء نصوص الكتاب والسنة يدل على تفاضل الأعمال، قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] .. (وهذه الثلاثة متفاوتة الرتب، فرتب سبحانه وتعالى ذلك مقدما الأهم فالأهم والألزم فالألزم) [روح المعاني 1/ 119] .

وفي أحاديث كثيرة سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن"أي الإسلام أفضل"فكان الجواب بما يفيد تقريره عليه الصلاة والسلام باختلاف رتب الأعمال، ولذلك بوب الإمام النووي رحمه الله لأحاديث رواها مسلم في صحيحه من هذا النوع فقال: (باب بيان تفاضل الإسلام أو أي أموره أفضل) [شرح مسلم: 2/ 9] .

قال الحافظ رحمه الله في الفتح أن: (الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين، بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو: كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره) اهـ.

قال ابن تيمية رحمه الله: (فتفطن .. لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية والمفاسد، بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب المعروف ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند المزاحمة، فإن

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام