في كتابه [التدرج في التشريع والتطبيق في الشريعة الإسلامية] : (إن الأمور المحرمة قطعا، والثابتة في النصوص كالزنا والربا والخمر لا يمكن التدرج بها بإقرارها وإباحتها مبدئيا ثم التدرج في إبطالها لأنها تدخل تحت الفقرة الثالثة ضمن المعلوم من الدين بالضرورة، لذلك يجب الإعلان عنها، والتصريح بتحريمها، مع التوعية الكافية، وتهيئة الأجواء لها، ويمكن تأخير إنزال العقوبة بفاعلها ريثما تستقر أمور الدولة والقضاء الإسلامي، وإصدار التشريع اللازم لها) .
ومعناه بيان بعض الدين والحق والسكوت عن بيان بعضه إلى أن يحين وقته.
ومن أشهر أدلته حديث معاذ رضي الله عنه المشهور لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس» [متفق عليه] .
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: (فالعالم قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .
وقال أيضا:(فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء، حتى علا الإسلام وظهر؛ فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن ..
فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما؛ كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة ... فكذلك المجدد لدينه، والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ... ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع) [مجموع الفتاوى 20/ 57 - 61] .
وقاعدة"لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"ينبغي أن تفهم على وجهها الصحيح .. فالحكم معلق