فهرس الكتاب
الصفحة 104 من 117

المبحث السادس:

الترجيح

قبل الوصول إلى ما أراه راجحا ـ والعلم عند الله تعالى ـ يجب التنبيه على مسألتين سبق الإشارة إليها في ثنايا كلام العلماء رحمهم الله:

الأولى: حاكمية الشريعة قطب رحى النظام السياسي الإسلامي فتعرف دار الإسلام بظهور أحكام الشريعة، وهو الفرق بين المدينة ومكة قبل الفتح .. أي بين دار الإسلام ودار الكفر.

ووظيفة دار ودولة الإسلام الحكم بما أنزل الله وهو العدل والقسط .. والشارع جعل طاعة السلطان مقيدة بالحكم بما أنزل الله تعالى ..

فلا شرعية للدولة في الإسلام إلا بظهور الأحكام، فإذا تعطلت بطلت الشرعية وفقد النظام السياسي أهم أركانه وأسباب قيامه.

الثانية: إننا متفقون على أن الأحكام قد كملت واستقرت بأحكامها النهائية، فالمحرم لا يصبح عند القائلين بجواز التدرج مباحا، بل هو على ما هو عليه من الحرمة؛ وإنما المتدرج فيه: تطبيق هذه الأحكام على المجتمع من إقامة الحدود، وأسلمت المعاملات وغير ذلك مما يلزم لتطبيقه الكامل تطبيق تدريجي نظرا لظروف المجتمع وقدرة القائمين على تطبيق الشريعة .. ومراعاة أسباب وشروط وموانع الأحكام .. ومآلات الأحكام وتطبيقها أي هل تحقق مقاصدها الشرعية أو لا؟.

وبالنظر في أدلة الفريقين لا يظهر ثمة تعارض .. فنوع الاجتهاد في هذا الباب هو من قبيل تحقيق المناط! فليس الخلاف في وجوب تطبيق الشريعة ولا في لزومها على المستوى الشخصي، بل في كيفية تحصيل الضمانات اللازمة لتحقيق تطبيق قانون الشريعة على مستوى النظام العام في الدولة ..

فاستدلال المانعين بقول الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا} [المائدة: من الآية 3] لا يناقض القول بالتدرج .. والآية كما تبين كمال الدين تقرر منهج التدرج؛ لأن الكمال لا يكون إلا بعد مراحل انتقل فيها من الأدنى إلى الأعلى ..

كما أن القول بالتدرج ليس هو دعوة إلى العودة بهذه الأحكام إلى أصلها قبل صورتها النهائية التي كانت عليها في النهاية، وإنما هو تدرج في التطبيق مع اعتقاد حكم المسألة ـ إيجابا وحرمة ـ، أو هو إرجاء لتطبيق الحكم المعتقد في المسألة لعارض أو مانع من تطبيقه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام