· أما استدلالهم بقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} فليس كذلك بصريح في مسألتنا هذه، إذ إن الداعي إلى التدرج ليس برافض شيئا من الإسلام، وإنما هو دينه، وهو ساع إلى تطبيقه الكامل وإلى تحكيمه التام، وما أخره إلا لإعداد العدة وتهيئة الأوضاع لتنفيذ الأمر المأمور به في هذه الآية [1] .
يقول الدكتور محمد الشريف: (أما الرد على القائلين بعدم جواز التدرج في تطبيق الشريعة: فإننا لا نخالفكم فيما ذكرتم من وجوب تطبيق الشريعة، وفي وجوب الأخذ بها كاملة، ولكن عند الاستطاعة لأنه {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
· وأما بالنسبة إلى موقف الصديق رضي الله عنه، فليس مما يستدل به على ما نحن بصدده، لأن الصديق رأى أنه ليس بحاجة إلى التدرج مع مانعي الزكاة، بل رأى أخذهم بالقوة هو السبيل الأنسب لحسم المشكلة، وقد كان لعمر رضي الله عنه رأي مخالف له، ثم هو رضي الله عنه كان الطرف الأقوى، ونحن إذا تحدثنا عن التدرج المباح إنما نتحدث عنه في الظروف التي لا يمكن معها التطبيق الكامل، ويكون ذلك في أزمنة الضعف وعموم الفساد وطغيانه، حيث يتطلب إزالة هذا المنكر إلى التدرج والمرحلية.
· أما أدلة القائلين بالإباحة:
· ففي حديث عائشة إشارة إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف ـ كما قال ابن حجر ـ.
والإسلام اليوم يعيش غربة كما أخبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سبق قول ابن تيمية رحمه الله: (فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء، أو الأمراء أو مجموعهما؛ كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة ... فكذلك المجدد لدينه، والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ... ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع) اهـ.
ففي حديث عائشة إرشاد للمجدد أن يستأنس بهدي الله تعالى وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم - في إزالة الغربة عن
(1) (ـ وقد رأينا الحوار الذي دار بين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وابنه .. فلم يكن الخليفة رافضا للشريعة .. وإنما منعته موانع ..