لقيام العذر المعتبر شرعا ..
واجتماع الحسنات والسيئات في المسلمين موجب حمل ما يقع منهم من الخطأ على حسن الظن ما أمكن؛ والواجب إعمال النظر في جملة أحوالهم، والنظر إلى مالهم من السابقة في أعمال البر والخير والدعوة والجهاد؛ فإن ذلك يغلب على الظن سلامة القصد ..
بعد أن قرر شيخ الإسلام رحمه الله أن (الحجة على العباد إنما تقوم بشيئين بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به) .. وأن (المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به) .. وأن (باب التعارض باب واسع جدا لاسيما فى الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة) ..
قال رحمه الله: (ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد، فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة، ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه، فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو وهذا باب واسع جدا فتدبره) .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: (وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر، وإمام الصلاة، والحاكم وأمير الحرب، وعامل الصدقة: يطاع في مواضع الاجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد، بل عليهم طاعته في ذلك، وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة الجماعة والائتلاف، ومفسدة الفرقة والاختلاف، أعظم من أمر المسائل الجزئية) .
فولي الأمر إذا ذهب إلى أحد الأقوال في المسألة واجتهد، أو اجتهد في المسألة اجتهادا سائغا لا يخالف مجمعا عليه، فإن طاعته في ذلك متعينة إذا كان متعلقا بالأمة بعامة .. وقال ابن تيمية رحمه الله: (والإمام العدل تجب طاعته فيما لم يعلم أنه معصية، وغير العدل تجب طاعته فيما علم أنه طاعة كالجهاد) . [مجموع الفتاوى 29/ 196] .