المراد بتطبيق الشريعة تنفيذ أحكامها في الفرد والمجتمع .. والمراد بالشريعة معناها العام الشامل الذي يترادف مع كلمة الدين، فيكون المقصود حراسة الدين عقائد وأخلاقا وأحكاما، وسياسة الدنيا به.
لقد تقرر في نصوص الكتاب والسنة أن إفراد الله بالعبادة هو الدين والتوحيد الذي دعا إليه الأنبياء والرسل عليهم السلام على مدار التاريخ البشري كله [1] ، وأنه أول واجب على المكلف، وأنه الشرط في قبول سائر الأعمال، فكما لا تقبل صلاة بغير وضوء لا تقبل عبادة بغير توحيد.
ثم لما وقع في القرون الأخيرة هذه استبدال القوانين الوضعية بالشرع المطهر، أحوج ذلك أهل العلم إلى بيان خطر هذه الواقعة على الإسلام وأهله، إذ كان التحاكم إلى شريعة الله تعالى والرضا بحكمه والتسليم له فارقا بين الشرك والتوحيد، وكان تحكيم هذه الشرائع النصرانية واليهودية، والتحاكم إليها عن رضى وطواعية مناقضا لما أمر الله تعالى به من إفراده بالربوبية والألوهية وحده لا شريك له ولما أوجبه من الكفر بالطاغوت الذي لا يصح إيمان عبد إلا به .. استعملوا مصطلح توحيد الحاكمية .. وهو مندرج تحت توحيد الألوهية.
قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36]
قال ابن كثير رحمه الله: (وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة رسولا، وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم ... إلى أن ختمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب) اهـ.
قال ابن تيمية رحمه الله: (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده، وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون
(1) (ـ تقرر لدى العلماء رحمهم الله التقسيم المعروف المشهور للتوحيد(الربوبية والألوهية والأسماء والصفات) ، ودليله التتبع والاستقراء لنصوص الشرع ... وإنما أحوج الأئمة إلى هذه القسمة الثلاثية ظهور طوائف أهل البدع، واختلاط المسلمين بعد انتشار الإسلام بغيرهم من الأمم فتسربت إلى المسلمين كثير من العقائد الباطلة من الديانات الأخرى .. واقتضاهم الاصطلاح على التقسيم المذكور بيانا لما يجب على العبد نحو خالقه تعالى؛ وصيانة له عن الوقوع فيما يقدح في التوحيد الذي لأجله خلق.