تواجه السياسة الشرعية نوعين من المسائل:
أحدهما: جاءت فيه نصوص شرعية، والثاني: لم تأت فيه نصوص بخصوصه.
والفقه في النوع الأول يكون عن طريق:
1 ـ فهم النصوص الشرعية فهما جيدا، ومعرفة ما دلت عليه، والتنبه للشروط الواجب توافرها في تطبيق الحكم والموانع التي تمنع من تنفيذه، ثم يلي ذلك تطبيق الحكم وتنفيذه.
2 ـ التمييز بين النصوص التي جاءت تشريعا عاما يشمل الزمان كله، والمكان كله ـ وهذا هو الأصل في مجيء النصوص ـ، وبين النصوص التي جاءت الأحكام فيها معللة بعلة، أو مقيدة بصفة، أو التي راعت عرفا موجودا زمن التشريع، أو نحو ذلك.
والأول يسميه ابن القيم رحمه الله:"الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة"، بينما يسمي الثاني:"السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانا ومكانا".
ومن مسائل هذه السياسات"النوع الثاني"منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم عن قوم كان يعطيهم إياه، لزوال تلك الصفة عنهم، فإنما كانوا يعطون لاتصافهم بهذه الصفة لا لأعيانهم، فلما زالت الصفة منع السهم عنهم، وليس في هذا تغيير للحكم وإنما هو إعمال له، وهو من باب السياسة الشرعية، وكذلك أمر عثمان رضي الله عنه بإمساك ضوال الإبل مع أن المنع من إمساكها مستفاد من سؤال أحد الصحابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إمساك الإبل فقال: «ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل من الشجر حتى يلقاها ربها» ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر من كلامه أنه يفتي عن حالة آمنة تأكل فيها الإبل من الشجر وتشرب من الماء، من غير أن يلحقها ضرر حتى يجدها صاحبها، فأما إذا تغير حال الناس ووجد منهم من يأخذ الضالة، صار هذا الحال غير متحقق، فإنها إذا تركت في هذه الحالة لن يجدها صاحبها، ومن هنا أمر بإمساكها حفظا لأموال المسلمين، وهذا من السياسة الشرعية، والأمثلة في ذلك كثيرة [1] .
(1) (ـ قال العلامة محمد الخضر حسين رحمه الله:(وإذا وجد العالم الراسخ في فهم مقاصد الشريعة واقعة علق عليها الشارع حكما، ثم تغير حالها بعد حال تقتضي تغير الحكم اقتضاء ظاهرا كان له أن يرجع بها إلى أصول الشريعة القاطعة يقتبس لها من الأصول حكما يطابقها.) . [الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان 20 - 21] .