والنوع الثاني من المسائل: وهو ما لم تأت فيه نصوص بخصوصه، فإن الفقه فيه يكون عن طريق الاجتهاد الذي تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يتوهم أنه مفسدة، بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح، وذلك من خلال:
1 ـ أن يجري ذلك الاجتهاد في تحقيق المصالح ودرء المفاسد في ضوء مقاصد الشريعة تحقيقا لها وإبقاء عليها.
2 ـ عدم مخالفته لدليل من أدلة الشرع التفصيلية.
والنوعان من المسائل قد تحتاج كل منهما ـ وخاصة في هذا العصرـ لضمان حسن تطبيقه وتنفيذه إلى إنشاء هيئات أو مؤسسات تكون مسئولة عن التطبيق والتنفيذ، وإنشاء هذه الهيئات أو المؤسسات في ظل موافقة مقاصد الشريعة وعدم مخالفتها لنصوصها التفصيلية؛ هو من السياسة الشرعية.
والاجتهاد في مسائل السياسة الشرعية قد يؤدي إلى (استنباط أحكام اجتهادية جديدة تبعا لتغيير الأزمان مراعاة لمصالح الناس والعباد، أو نفي أحكام اجتهادية سابقة إذا ما أصبحت غير محصلة لمصلحة أو مؤدية لضرر أو فساد، أو غير مسايرة لتطور الأزمان والأحوال والأعراف، أو كانت الأحكام الاجتهادية الجديدة أكثر تحقيقا للمصالح ودفعا للمفاسد) [السياسة الشرعية تعريف وتأصيل: محمد بن شاكر الشريف] .
ومما ينبغي التأكيد عليه هنا أن سوء النظر وسوء التطبيق هذا عائد إلى تفريط طائفة، وإفراط أخرى:
فالأولى: طائفة سدت على نفسها وعلى الناس، من طرق السياسية الشرعية ما تستقيم به أمورهم؛ ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع ..
والثانية: سوغت باسم السياسة ما يناقض حكم الله ورسوله، من السياسات والقوانين؛ لما رأت أن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه أولئك المفرطون من الشريعة، الذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة، والتطبيق بين الواقع وبينها ..
فتولد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل، وفساد عريض، وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله [1] .
(1) (ـ هذا معنى ما سبق نقله عن ابن القيم رحمه الله.