فهرس الكتاب
الصفحة 35 من 117

الأصل الثاني: مراعاة مقصد الشرع وحكمة التشريع.

إن القاضي والمفتي وهما يقومان بتنزيل الحكم على الواقعة عليهما مراعاة مقاصد الشرع وحكمته، فالشرع له مقاصد في الأحكام، سواء كانت هذه المقاصد عامة أم خاصة أم جزئية، وإذا كانت معرفة مقاصد الشرع في مجال تفسير الأحكام الكلية من الأهمية بمكان، فإن معرفتها عند تنزيل الأحكام على الوقائع لا يقل أهمية عن ذلك، فهي تعين القاضي ـ وكذا المفتي ـ على تحديد وصف الواقعة ابتداء، كما ترجح بعضها على بعض عند تعدد الاحتمالات فيها، ذلك أن تنزيل الحكم الكلي على الأعيان والوقائع مشخصة يتطلب نظرا خاصا يراعى فيه خصوصية الواقعة بأحوالها وظروفها وملابساتها، ومقاصد الشريعة وحكمتها من وراء ذلك تحوطه وتوجهه، فتعين على معرفة قبول المحل للحكم الكلي، أو عدم قبوله لذلك ..

فـ"الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد"كما قال ابن القيم رحمه الله.

والمنافع والمضار التي تبنى عليها مقاصد الشرع وحكمته إضافية، بمعنى أنها منافع أو مضار في حال دون حال ولشخص دون شخص، أو في وقت دون وقت [الموافقات: 1\ 250، 251] ،

فمعرفة مقاصد الشرع وحكمته في الواقعة مما يرجح احتمالا على آخر في التفسير، وقولا على آخر عند الاختلاف، وهو مما يعين على تنزيل الحكم على الواقعة.

الأصل الثالث: مراعاة الفروق بين الوقائع والأشخاص.

إن القاضي والمفتي وهما يقومان بتنزيل الأحكام على الوقائع لا بد لهما من النظر في خصوصيات الوقائع والأشخاص، وما بينهما من فروق مؤثرة وأوصاف مقررة.

فقد يكون للشخص المتقاضي من مدعي أو مدعى عليه أو للواقعة المتنازع فيها أو لواقعة الفتوى خاصية تستدعي حكما لا يطبق على نظائرها؛ لوجود وصف مؤثر متعلق بالشخص أو الواقعة استدعى المغايرة في الحكم؛ وقد أطلق عليه الشاطبي: تحقيق المناط الخاص. [الموافقات: 4\ 98] .

يدل على ذلك ما رواه سعيد بن سعد بن عبادة قال: «كان بين أبياتنا إنسان مخدج ضعيف لم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها وكان مسلما، فرفع شأنه سعد إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: اضربوه حده، قالوا: يا رسول الله، إنه أضعف من ذلك، إن ضربناه مائة قتلناه، قال: فخذوا عثكالا فيه مائة شمراخ، فاضربوه به ضربة واحدة وخلوا سبيله»

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام