في المآلات قبل الجواب على السؤالات)، فالقاضي ـ بل والمفتي ـ وهو يقوم بتنزيل الحكم على الواقعة لا بد له من التبصر في ذلك بأن يقدر عواقب ما يقرره ناظرا إلى آثاره، فإن لم يفعل كان عمله خطأ مضيعا للحقوق، أدخله في الشرع اعتمادا منه على تأويل ظهر له لم يلتفت فيه إلى عواقبه ومآلاته.
يقول ابن القيم رحمه الله: (فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال، ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه في كليات الأحكام أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه، لا يشكون فيه اعتمادا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله) [الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: 4] .
وعلى القاضي ـ وكذا المفتي ـ أن ينظر نظرا خاصا في الحكم الذي حدده لتطبيقه على الواقعة، ولا يقطع نظره عن النظر في مآل الواقعة لو طبق عليها ذلك الحكم الكلي، بل عليه مراعاة مآل الواقعة، فإن ظهر له عدم المواءمة بين الحكم الكلي ومآله على الواقعة، أعاد النظر مرة أخرى في ملاقاة الحكم للواقعة، وطلب غيره مما يكون أقعد بمراعاة مآلها، أو أضاف على الحكم، أو حذف منه من القيود ما يحقق النظر في ذلك المآل طلبا أو منعا.
وإن رأى المواءمة بينهما طبقة على الواقعة وحكم وألزم؛ يقول الشاطبي رحمه الله: (النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ) [الموافقات: 4/ 194] .
وعلى القاضي ـ وكذا المفتي ـ أن يلحظ ظروف وأحوال وملابسات ومآلات الواقعة وآثارها ..
ولا يعني النظر في المآلات عند الحكم والفتيا، أن القاضي أو المفتي يعمل استحسانه العقلي مجردا من النصوص الشرعية وأصول الشريعة، فمن فعل ذلك فهو متشه قد رد الناس إلى هواه، وجعل طلب غير الشريعة مبتغاه، وكان آثما موزورا غير مأجور ..
يقول الجويني رحمه الله: (والمعتد به في المآلات ما شهد له الشرع طلبا أو منعا بنصوص الشريعة وأصولها حسب المسالك الشرعية) .