فهرس الكتاب
الصفحة 114 من 117

والمسائل الاجتهادية داخلة في عموم الأحاديث التي فيها الطاعة في المعروف؛ لأن طاعة الأمير في المعروف التي جاء فيها الدليل: «إنما الطاعة في المعروف» تشمل مسائل الاجتهاد المعتبر شرعا.

ومهما يكن نحن نعيش زمن غربة وضعف في العلم والعمل .. وقد نقلنا عن ابن تيمية رحمه الله أن باب التعارض باب واسع جدا، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة؛ وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة .. والواجب على العقلاء مزيدا من الحكمة والتعقل وسعة الصدر للمخالف مع بقاء النقاش والمودة والإخاء ..

وقد مرت بنا المسائل التي اجتهد فيها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ورأينا طاعة الرعية بعلمائها من الصحابة والتابعين لخلفائها وأمرائها ترجيحا لمصلحة الجماعة والائتلاف، ودفعا لمفسدة الفرقة والاختلاف، وتحليا بأدب الاختلاف الذي هو ثمرة من ثمرات الفقه في الدين، رضي الله عن الجميع ..

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه [مسائل الجاهلية] : (ووجدنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يتفرقوا ولا صاروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين؛ وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصا، واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به) .. ثم ذكر مسائل مما اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم ثم قال: (وكانوا مع هذا ـ أي الاختلاف ـ أهل مودة و تناصح و أخوة الإسلام بينهم قائمة؛ فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وظهرت العداوات وتحزب أهلها وصاروا شيعا دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه) .

وقال الشاطبي رحمه الله: (قال ـ يعني بعض العلماء ـ كل مسألة حدثت في الإسلام واختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام؛ وكل مسألة حدثت وطرأت فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء) .

وقال في [الموافقات والاعتصام] نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمه الله: (وأكثر الجهالة إنما ثبتت في قلوب العوام بتعصب جماعة من أهل الحق أظهروا الحق في معرض التحدي و الإدلاء و نظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء و تعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها) .

والواجب على كافة المسلمين أن يكونوا يدا واحدة على عدوهم، وأن يتطاوعوا فيما فيه طاعة لله تعالى، وأن يتناصحوا فيما بينهم، فإن أشكل عليهم أمر فليستشيروا فيه من يليهم من الصالحين والأكابر من

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام