هذا حقيقة العمل بما جاءت به الرسل، فإن التميز بين جنس المعروف وجنس المنكر، وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر كثيرا، فأما مراتب المنكر ومراتب الدليل، بحيث تقدم عند التزاحم أعرف المعروفين فتدعو إليه، وتنكر أنكر المنكرين، وترجح أقوى الدليلين، فإنه هو لخاصة العلماء بهذا الدين) اهـ.
وإذا كان هذا فقه خاصة العلماء أهل البصائر والصدق من أولي العلم السائرين على جادة التوفيق، الذين أنزلوا الأعمال منازلها، وأعطوا كل ذي حق حقه؛ لزم التقيد بفقههم عند الأمر والنهي، والفتوى والحكم، وقد صاغ الأصوليون ذلك في قواعد تشريعية هادية مثل:
-دفع أشد المفسدتين بأخفهما.
-والإتيان بأعظم المصلحتين وتفويت أدناهما.
-وتقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة.
-وعدم ترك المصلحة الغالبة خشية المفسدة النادرة.
-وتقديم المصلحة الشرعية على المصلحة الملغاة.
-وتقديم المصلحة المتيقنة على المصلحة المظنونة.
-وتقديم مصلحة الكثرة على مصلحة القلة.
-وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.
-وتقديم المصلحة الدائمة على العارضة أو المنقطعة.
-وتقديم المصلحة المستقبلية القوية على المصلحة الآنية الضعيفة.
-والتيسير أولى من التعسير.
-والسعة أولى من الضيق.
-والمتعدي مقدم على القاصر.
-والإعمال خير من الإهمال ... وغيرها كثير.
ولا يستقيم عمل إسلامي ـ دعوة وجهادا ـ إلا بفقه هذه الأصول والقواعد والالتزام بها ..
وحين يرسخ فقه مراتب الأحكام والأعمال في عقل العاملين للإسلام يثمر فقه الأولويات، والبداءة بالأهم فالأهم .. أي (العلم بالأحكام الشرعية التي لها الحق في التقدم على غيرها بناء على العلم بمراتبها، وبحسب الواقع الذي يتطلبها) .