نظروا في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عرفوا المداخل والمخارج، وعرفوا عام هذه النصوص من خاصها، ومطلقها من مقيدها، ونظروا في دلالاتها فقدروا منطوقها من مفهومها، ورتبوا المفاهيم حسب قوتها. وميزوا بين محكمها ومتشابهها، ولم يغفلوا ناسخها ومنسوخها. فكانوا إذا أرادوا النظر في مسألة ما جمعوا كل ما يتعلق بها، لم يغفلوا منها نصا محاباة لرأي على آخر، ولا انتصارا لما تهواه أنفسهم، بل كانوا كما ذكرت، ومن ثم وضعوا كل نص في مكانه المناسب وفق أصول وضوابط ومسالك للاستنباط، قد أبصروها بدوام الطلب والمدارسة، وأكثر الناس عنها عمون). اهـ
وقال عبد المحسن بن عبد الله الزامل: (هذه مسألة كبيرة ومسألة مهمة، وتحتاج إلى دراسة وعناية، لا يمكن إجمال الكلام فيها؛ لأنها مسألة مهمة، وتحتاج إلى تحرير، وتكلم الناس فيها كثيرا، هذه المسألة تحتاج إلى تحرير ودراسة من أهل العلم، وتقرير لها) اهـ.
إن الإسلام دين متكامل في أحكامه .. لا يوجد تناقض بين جزئياته وكلياته .. ولا يمكن أن ينقض دليل جزئي دليلا كليا .. كما يستحيل أن يأتي حكم بخلاف المصلحة المعتبرة .. وإنما يظهر التناقض في طروحات من لم يدرس الشريعة دراسة كاملة ووافية .. فالتناقض في فهمه لا في الإسلام .. فهو عرف شيئا وغابت عنه أشياء ..
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله فيمن خاض بحر الاجتهاد من غير تأهيل: (وتكون مخالفته تارة في جزئي وهو أخف، وتارة في كلي من كليات الشريعة وأصولها العامة، كانت من أصول الاعتقادات أو الأعمال؛ فتراه آخذا ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع الافتقار إليها، ولا مسلم لما روي عنهم في فهمها [1] ، ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها كما قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: من الآية 59]
ويكون الحامل على ذلك بعض الأهواء الكامنة في النفوس، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل الواضح واطراح النصفة والاعتراف بالعجز فيما لم يصل إليه علم الناظر، ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة وتوهم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب، فإن العاقل قل ما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه مخاطر ... وأصل هذا القسم مذكور في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
(1) (ـ قال في الهامش: بل يرجع إليها رجوع الاستظهار بها على صحة غرضه في النازلة؛ فالمقصود إنما هو تنزيل الدليل على وفق غرضه، وتحكيم هواه في الدليل، فيكون الدليل تبعا لهواه.