فهرس الكتاب
الصفحة 41 من 117

وجاءت الصحوة الإسلامية مشرقا ومغربا وأحيت في الأمة ما اندرس من معالم الدين ـ عقيدة وعبادة وأخلاقا ـ وسار الدعاة المجددون لأمر هذا الدين يخوضون غمار معركة الإصلاح ببث الوعي الديني، وظهرت آثار ذلك في مختلف طبقات الأمة ..

ومما طرحه العلماء والدعاة بقوة وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية وحكم من لم يحكم بما أنزل الله تعالى،

لم يصل المد الإسلامي إلى القوة التي تمكنه من الحسم الواقعي لصالحه كما وصل إلى الحسم الفكري، لكن آثار التغيير تظهر بين الحين والآخر على شكل تجارب متفرقة لإدارة الحكم كما في تمكن بعض الجماعات الجهادية في بعض الأحيان، أو المشاركة في الحكم كشأن بعض الجماعات الإسلامية المشاركة في مسلك الانتخابات في بلدان مختلفة [1] ..

في ظل هذا الواقع بدت مسألة من المسائل المهمة التي أضحت تشكل محل خلاف بين العاملين من أجل إعادة الحكم الإسلامي بين مؤيد لها وآخر معارض، قد فرضها الواقع الميداني: هل يسوغ تأجيل تطبيق شيء من أحكام الشريعة لعذر شرعي معتبر كالعجز أو ترتب مفسدة أعظم من المصلحة المتوخاة من تطبيق الحكم .. ريثما يتهيأ تطبيق الكل المتكامل منها؛ أم أنه لا يجوز ذلك بحال؛ وإنما الواجب أخذ هذه الشريعة بالتطبيق الكامل كما أنه لا بد فيها من الاعتقاد الكامل؟. هذا هو محل الخلاف ..

الكل متفق على الأصول العامة والكليات، لكن عند التنزيل والتمثيل يقع الخلاف ..

إن العودة إلى تطبيق الشريعة في بلاد حكمتها قوانين أجنبية عقودا طويلة من السنين نشأت في ظلها أجيال وأجيال لن يكون سهلا معبدا، بل ستكون ـ كما هو مشاهد ـ معارضات ومقاومات مخططا لها تخطيطا محكما كما خطط للبدايات، فمن ثم يتوجب العمل في سبيل إرجاعها إلى الساحة الاجتماعية تدبيرا محكما بعيدا عن الغوغائية والعشوائية .. وبعيدا عن التعصب والجمود ..

إن مسألة تطبيق الشريعة في واقع الحياة الآن هو عمل اجتهادي مقدر يستلزم بناء منهجيا دقيقا؛ ذلك لأن الشريعة هي أحكام كلية مجردة، بينما الأوضاع والحوادث الواقعية هي أوضاع عينية مستأنفة، الأمر الذي يستلزم اجتهادا يهيأ به الحكم الشرعي المجرد ليجري على الوضع الواقعي الذي يشمله، محققا للمقاصد التي من أجلها شرع دون غيره من الأوضاع التي تكون شديدة الشبه به، والتي لو أجري

(1) (ـ الوصول إلى تحكيم الشريعة عن طريق الانتخابات والمشاركة في الحكم مسألة يتضح للعقلاء بعد كل تجربة أنها مغامرة ناعمة(أحيانا) .. لها خطوطها الحمراء التي رسمها العلمانيون للإسلاميين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام