ويؤكد عمر بن عبد العزيز على ضرورة مسلك التدرج ـ الحاقن للدماء بين الراعي المسلم والرعية ـ من خلال التدريج في إعادة تأهيل الناس للشريعة، فيقرر في جولة أخرى من الحوار مع ابنه حيث أورد على أبيه قوله: (يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك: رأيت بدعة فلم تمتها، وسنة فلم تحيها؟، فيجيبه عمر بقوله: يا بني، إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق بسببي محجمة من دم .. أوما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة، حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الحاكمين) [حلية الأولياء لأبي نعيم، وصفة الصفوة لابن الجوزي] .
وفي هذه الآثار تقوية لاستدلال المبيحين للتدرج في التطبيق بالتدرج في تشريع الأحكام، إذ يظهر أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه استدل على التدرج في التطبيق بالتدرج في التشريع ـ التدرج في نزول القرآن، وكذا في تحريم الخمر ـ .. واعتبر جلب مصلحة التأليف، ودرء مفسدة النفرة والفتنة، مع عدم تحميل نفسه وأعوانه ما لا يطيقون ..
مع ملاحظة أن عمر كان يملك السلطة والقدرة على الإجبار والإكراه بالقوة على الشريعة .. وكان في مجتمع مسلم قريب العهد بالقرون المفضلة، وليس مع كفار حديثي الإسلام، مما يشهد بأن هذا التدرج والترتيب الإصلاحي محكم وليس منسوخا .. متى احتيج إليه أعتمد ..
فهذا ما قاله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في القرن الثاني، في شأن إحياء سنن العدل والرشد وإبطال البدعة والجور في الحكم وسياسة الأمة، فكيف بأحوال الأمة اليوم.؟ ..
إن المنهج الذي سلكه عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين أصبح مثالا لمن يريد الإصلاح وهو ما سار عليه كثير من الخلفاء والسلاطين كالمنصور والرشيد والمقتدر بالله ونور الدين زنكي وصلاح الدين ..
وما سلكه الخليفة الراشد رضي الله عنه يندرج تحت قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: من الآية 286] .. وقاعدة"لا تكليف إلا بالمستطاع"..