أخذ على هذا عشر سنين، يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى
المدينة، والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي: باقية إلى أن تقوم الساعة، والدليل قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفورا) وقوله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) قال البغوي رحمه الله تعالى: سبب نزول هذه الآية في المسلمين، الذين بمكة، لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان؛ والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم"لنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".
فلما استقر بالمدينة: أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام؛ أخذ على هذا عشر سنين؛ وتوفي صلى الله عليه وسلم ودينه باق، وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا ّحذرها منه، والخير الذي دل عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه؛ والشر الذي حذر عنه: الشرك بالله، وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض الله طاعته على جميع الثقلين، الجن والإنس، والدليل قوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وأكمل الله به الدين، والدليل قوله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:(إنك ميت وإنهم ميتون)
والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) وقوله: (والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً) وبعد البعث محاسبون، ومجزيون بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، والدليل قوله تعالى: (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) ومن كذب بالبعث كفر، والدليل قوله تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنببؤن بما عملتم وذلك على الله يسير)
وأرسل الله جميع الرسل: مبشرين ومنذرين، والدليل قوله تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين، لا نبي بعده، والدليل قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) .
والدليل: على أن أولهم نوح عليه السلام، قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) وكل أمة: بعث الله إليها رسولاً، من نوح إلى محمد، يأمرهم بعبادة الله، ويناهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) .
وافترض الله على جميع العباد: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، قال ابن القيم: رحمه الله تعالى، معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع.