الفصل الخامس في بيان أن أثبات النبوة بهذا الطريق أقوى وأكمل من إثباتها بالمعجزات
اعلم أن التمسك بطريق المعجزات من باب برهان الآن وهو الاستدلال بالأثر على المؤثر على سبيل الاجمال فإنا بظهور المعجز عليه السلام كونه مشرفا عند الله على سبيل الاجمال من غير أن نعرف كيفية ذلك الشرف وأما هذا الطريق الثاني فهو منم باب برهان العلم وذلك لأنا بينا أن الأمراض الروحانية غالبة على أكثر النفوس فلا بد الصحة بقدر الإمكان فهذا يدل على كونه طبيبا حاذقا في هذا الباب. وحينئذ يظهر أن هذا الإنسان لا حاجة به في معرفته إلى أن يكون عالما بدقائق المنطق والهندسة والحساب. بل كونه عالما بها مشتغلا باستنباط دقائقها مما يضره في كونه مستغرقا في معرفة الله تعالى. وعند هذا تزول جملة الشبهات المذكورة في باب نفي النبوات.
فإنه دلت المشاهدة على أن محمدا - عليه السلام - كان طبيبا حاذقا في علاج هذه الأمراض كما بيناه بل كان روحه قدرت على قلب طبائع أهل الدنيا فنقلهم من الباطل إلى الحق ومن الكذب إلى الصدق ومن الأديان الفاسدة إلى العقائد الصحيحة بقدر الإمكان.