ضرورة النبوة:
إن الله تعالى لم يكل الإنسان إلى عقله وحده لتنظيم سلوكه في الحياة، لأن معنى في نظر إنسان قد يختلف معناه عند إنسان آخر، وكذلك الشر. ودليل ذلك اختلاف الفلاسفة - وهم المستنيرون من العلماء - في معنى الخير والشر وفي معنى اللذة والألم، وفي معنى السعادة والشقاوة والعقل وأن كان قادرا على التمييز كل سني حياته. فإن عقل الإنسان وهو صبي يتخلف عن ععقله وهو شاب ويختلف عن عقله وهو كهل لا يعلم من بع علم شيئا وعقل المجرب يختلف عن عقل الذي لم يجرب وعقل العالم يختلف عن عقل الجاهل. وهذا مشاهد ومعروف. ومشاهد أيضا ومعروف أن الحسد يؤثر في توجيه عقل الإنسان نحو الباطل مع أن عقل الإنسان يعرف أنه باطل، ويجادل بالباطل ليدحض به الحق.
ومن أجل ذلك أرسل الله الأنبياء والرسل رحمة (1) بالناس لتنظيم أمور
(1) يقول القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة: أن البعثة من الله بعباده وإن أرسال الرسل واجب على الله تعالى لمصلحة المكلفين. ويبدو أن الدليل عنده هو قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي ألزم نفسه، وحكى عن ما ألزم به نفسه في كتابه فحكى المعتزلة عنه الوجوب بناء على المحكي في الكتاب عن الله عز وجل: يقول القاضي: أنه تعالى إذا علم أن صلاحنا في بعثة شخص واحد بعينه وجب أن يبعه بعينه، ولا يعدل عن إلى الغير، وإذا علم أن صلاحنا في بعثة شخصين وجب عليه بعثتهما لا محالة ويجوز الاخلال بها ... الخ.