اعلم أنا وأن بالغنا في حكاية هذه الشبهات. إلآ ان العقل إذا أحكم معرفة أصول ثلاثة ووقف على قوتها زالت عنه هذه الشبهات بأسرها وذلك من كمال نعم الله تعالى على العباد حيث هداهم إلى هذه الأصول الثلاثة ليتوسلوا إلى دفع هذه الشبهات.
فالأصل الأول: أن نقول: لا شك أن القول بإثبات النبوات فرع على إثبات القول بالفاعل المختار. فمن نازع في ذلك الأصل فإنه لا يجوز له الخوض في إثبات النبوات البتة. بل يجب عليه الشروع في تلك المسالة.
وأما من سلم أن إله العالم فاعل مختار فنقول: أنا ندعي أنه لا مؤثر البتة لاخراج شيء من العدم إلى الوجود. وإذا ثبت هذا فقد بطل القول بوجود مؤثر آخر سواه سواء قيل: أنه كوكب أو فلك أو عقل و=أو نفس أو روح علوي أو روح سفلي.
والذي يدل على صحة هذا الأصل وجوه:
الأول: أنه لما ثبت أنه تعالى قادر على بعض المقدورات وجب أن يكون ذلك الشيء إنما صار بحيث يصح أن يكون مقدورا له لامكانه. لأنا لو رفعنا الإمكان ليبقى: أما الوجوب وأما الامتناع وهما يحيلان المقدورية وما يوجب امتناع كونه مقدورا يمتنع أن يقتضي صحة كونه