والثاني: أنه لو فعل الجني ذلك لوجب على الله تعالى أن ينصر إنسانا يأتي بمعاصيه لئلا يحصل التلبيس. وحيث لم يفعل علمنا أنه ليس من فعل الجن بل من فعل الله تعالى.
الثالث: أن الجن لم يبلغوا في القدرة على هذا الحد العظيم، إذا لو قدروا عليه لوجب أن يصل منهم الشر العظيم إلى الأنبياء والعلماء الذين يشتغلون بلعنهم وسوء القول فيهم.
قلنا أما الجواب الأول فضعيف لأنه لا يبعد أن يقال: إنهم لشدة رغبتهم في إلقاء الشبهات والأباطيل يحتملون ذلك الطعن واللعن، ومع ذلك فيعينون هؤلاء الدعاة على سبيل الكذب، ليحصل فرضهم من ترويج هذه الشبهات. وأيضا فلعل المراد بهذا اللعن: طائفة منهم والآتون بهذه المعجزات أقوام آخرون.
وأما الجواب الثاني: فضعيف أيضا لأن مع قيام هذا الاحتمال - أعني مون هذه المعجزات أفعالا للجن - لو جزم المكلف بكونها صادرة من الله تعالى لكان التقصير من المكلف حيث جزم لا في موضع الجزم وهذا كما قلنا: في إنزال الآيات المتشابهة فإنها وإن كانت عظيمة الايهام لهذه الأباطيل إلا أنه لم يقبح صدروها من الله تعالى لقيام الاحتمال فيها فكذا ههنا.
وأما الجواب الثالث فضعيف: لأن الأنبياء عليهم السلام اطبقوا على إثبات القوة العظيمة لهم فإنكار هذه القوة يوجب تكذيب الأنبياء وذلك من أعظم المطاعن في نبوتهم.
الاحتمال الرابع: قالوا: أكثر أهل الدنيا أطبقوا على إثبات الملائكة والقرآن على أن بعد الإيمان بالله تعالى لا يجب الإيمان بشيء آخر إلا بالملائكة فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ