واعلم أن هذا السؤال قد ذكره الله تعالى في القرآن الكرين فقال في سورة الشعراء: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192 - 194] .
ثن قال بعده: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210 - 212] والتقرير: انه لما ادعى أنه تنزلت رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبه. فكأن قائلا قال: لم لا يجوز أن يقال أنه من تنزيل الشياطين؟ فلهذا السبب قال: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 210 - 212] ثم أجاب عنه بقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 - 223] .
وسنعرف حقيقة هذا الجواب بعد ذلك.
واعلم: أن كفار قريش كانوا يؤكدون هذا السؤال بوجه آخر.
فيقولون: أنه من المشهور عند جمهور العرب:: إن لكل شاعر صاحبا من الجن يعينه على الشعر ويهديه إلى دقائقه ويرشده إلى مضايقه. فقالوا لمحمد عليه السلام لما كان هذا مشهورا في حق الشعراء فلم لا يجوز مثله في حقك؟ فأجاب عنه في آخر هذه الآيات؟ بقوله: {الشعراء يتبعهم الغاوون} وستعرف حقيقة هذا الجواب في الفصل الآتية والمقصود ههنا: بيان أن هذا السؤال سؤال مشهور مذكور من أول الأمر.
فإن قالوا: هذا مدفوع من وجوه:
الأول: أن الأنبياء عليهم السلام إنما جاءوا بلعن الشياطين والجن والأبالسة فكيف يعقل كون الأبالسة أعوانا لهم في تقرير المعجزات؟