، وأمَّا ما يقترحُهُ كلُّ أحدٍ في نفسهِ مما لم يخلقْ ، فهذا لا اعتبارَ بهِ ، فهذا يقترحُ معصوماً في الأئمةِ، وهذا يقترحُ ما هو كالمعصومِ ،وإن لم يسمِّهِ معصوماً (1) ، فيقترحُ في العالمِ والشيخِ والأميرِ والملكِ ونحو ذلك، مع كثرةِ علمهِ ودينهِ ومحاسنهِ وكثرةِ ما فعل اللهُ على يديهِ منَ الخيرِ يقترحُ مع ذلكَ أن لا يكونَ قد خفيَ عليهِ شيءٌ ولا يخطئُ في مسألةٍ ، وأنْ يخرجَ عن حدِّ البشريةِ ، فلا يغضبُ ،بل كثيرٌ من هؤلاء يقترح فيهم مالا يقترحُ في الأنبياءِ ، وقد أمر الله تعالى نوحاً ومحمداً أن يقولا قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) [الأنعام/50] ، فيريد الجهَّالُ من المتبوعِ أن يكونَ عالماً بكل ما يُسأل عنه قادراً على كل ما يُطلب منه، غنيًّا عن الحاجاتِ البشريةِ كالملائكةِ ، وهذا الاقتراحُ منْ ولاةِ الأمرِ كاقتراحِ الخوارجِ في عمومِ الأمةِ أنْ لا يكونَ لأحدهمْ ذنبٌ ، ومن كان له ذنبٌ كان عندهم كافراً مخلداً في النارِ .
وكلُّ هذا باطلٌ خلافُ ما خلقهُ اللهُ ،وخلافُ ما شرعه الله ، فاقتراح هؤلاء فيمن يوليه كاقتراح أولئك عليه فيمن يرسله وكاقتراح هؤلاء فيمن يرحمه ويغفر له ،والبدعُ مشتقةٌ من الكفر، فما من قولٍ مبتدعٍ إلا وفيه شعبةٌ من شعبِ الكفرِ ، وكما أنه لم يكن في القرون أكملُ من قرنِ الصحابةِ ، فليس في الطوائفَ بعدهم أكملُ من أتباعِهم ،فكلُّ من كان للحديث والسنة وآثارِ الصحابةِ أتبعُ كانَ أكملَ ، وكانت تلك الطائفةُ أولى بالاجتماعِ والهدى والاعتصامِ بحبل اللهِ ، وأبعدَ عن التفرقِ والاختلافِ والفتنةِ ، وكلُّ منْ بَعُدَ عن ذلكَ كان أبعدَ عنِ الرحمةِ وأدخلَ في الفتنةِ ، فليس الضلالُّ والغيُّ في طائفةٍ من طوائفَ الأمةِ أكثرَ منه في الرافضةِ، كما أنَّ الهدَى والرشادَ والرحمةَ ليسَ في طائفةٍ من طوائفَ الأمةِ أكثرُ منه في أهلِ الحديثِ والسُّنَّةِ المحضةِ ، الذينَ لا ينتصرونَ إلَّا لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلمَ، فإنهم خاصَّتُهُ ،وهو إمامُهم المطلقُ الذي لا يغضبونَ لقولِ غيرِهم إلا إذا اتبعَ قولَهُ ومقصودُهُمْ نصرُ اللهِ ورسولهِ ، وإذا كان الصحابةُ ثمَّ أهلُ الحديثِ والسنَّةِ المحضةِ أولى بالهدى ودينِ الحقِّ وأبعدَ الطوائفَ عن الضَّلالِ والغيِّ، فالرَّافِضةُ بالعكسِ .
(1) - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ
رواه الحاكم في المستدرك برقم ( 7617) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وهو كما قال