فهرس الكتاب
الصفحة 160 من 247

خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ » (1) "؛ وَلَا يَهْتَمُّ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِهِ حَيْثُ كَانَ وَمِنْ طَاعَةِ أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَتَعْزِيرِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ بَلْ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ بَلْ يَقْصِدُ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِ أَوْ قَبْرِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَلَا فَعَلَهُ أَصْحَابُهُ وَلَا اسْتَحْسَنَهُ أَئِمَّةُ الدِّينِ . وَرُبَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِالْحَجِّ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَقْصُودِهِ بِالْحَجِّ وَرُبَّمَا سَوَّى بَيْنَ الْقَصْدَيْنِ وَكُلُّ هَذَا ضَلَالٌ عَنْ الدِّينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ نَفْسُ السَّفَرِ لِزِيَارَةِ قَبْرٍ مِنْ الْقُبُورِ - قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ - مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ قَصْدَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ ؛ لِقَوْلِهِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ:" « لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الأَقْصَى » (2)

(1) - أخرجه البخاري برقم (1190) ومسلم برقم (1394)

(2) - أخرجه البخاري برقم ( 1189) ومسلم برقم ( 1397)

وفي الموسوعة الفقهية:

(زِيَارَةٌ ) التَّعْرِيفُ:

1 -الزِّيَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ , يُقَالُ: زَارَهُ يَزُورُهُ زَوْرًا وَزِيَارَةً: قَصَدَهُ وَعَادَهُ . وَفِي الْعُرْفِ هِيَ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ . وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : الْعِيَادَةُ: 2 - هِيَ مِنْ عَادَ الْمَرِيضَ يَعُودُهُ عِيَادَةً: إذَا زَارَهُ فِي مَرَضِهِ . فَالْعِيَادَةُ عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنْ الزِّيَارَةِ .

( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :

3 -تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الزِّيَارَةِ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا , وَالْمَزُورُ , وَالزَّائِرُ . زِيَارَةُ قَبْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: 4 - زِيَارَةُ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ , وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ: أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ . وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } , وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: { مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يَعْلَمُ لَهُ حَاجَةً إلَّا زِيَارَتِي , كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .

زِيَارَةُ الْقُبُورِ:

5 -تُسَنُّ زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ بِدُونِ سَفَرٍ , لِخَبَرِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا } . وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ: { نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ , وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } . وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: ( زِيَارَةِ الْقُبُورِ ) .

( زِيَارَةُ الْأَمَاكِنِ ) :

6 -وَرَدَتْ نُصُوصٌ وَآثَارٌ تَدْعُو إلَى زِيَارَةِ أَمَاكِنَ بِعَيْنِهَا . وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } "وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهُ كُلَّ سَبْتٍ". وَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَمِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: { جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ } وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ بِذَلِكَ فَتُسْتَحَبُّ زِيَارَتُهَا .

.زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّعْرِيفُ:

1 -الزِّيَارَةُ: اسْمٌ مِنْ زَارَهُ يَزُورُهُ زُورًا وَزِيَارَةً , قَصَدَهُ مُكْرِمًا لَهُ . وَزِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ تَتَحَقَّقُ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم .

( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :

2 -أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ , تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ , وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ . وَذَهَبَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْفَاسِيُّ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ .

دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَارَةِ: 3 - مِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم: قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ , كَمَا أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: { الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ } , وَإِنَّمَا قَالَ: هُمْ أَحْيَاءٌ أَيْ لِأَنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَلْ أَفْضَلُ , وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ , وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعِنْدِيَّةِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ كَحَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ { قَالَ صلى الله عليه وسلم: مَرَرْت عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ } . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: { فَزُورُوا الْقُبُورَ , فَإِنَّهَا تَذْكُرُ الْمَوْتَ } فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَامَّةً , وَزِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى مَا يُمْتَثَلُ بِهِ هَذَا الْأَمْرُ , فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ دَاخِلَةً فِي هَذَا الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: { مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي } . وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ: { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } . فَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنْ الْحَضِّ أَيْضًا . وَحَمَلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ , وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تُرَغِّبُ بِتَحْصِيلِ ثَوَابٍ أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَسَائِلَ أُخَرَ , فَلَا تُفِيدُ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْوُجُوبَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ: وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا , وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا .

فَضْلُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

4 -دَلَّتْ الدَّلَائِلُ السَّابِقَةُ عَلَى عَظَمَةِ فَضْلِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَزِيلِ مَثُوبَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , فَبِهَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتَهُ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ , وَبِهَا يَحْصُلُ الزَّائِرُ عَلَى شَفَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فَوْزٍ . وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَافَّةِ الْعُصُورِ , كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى ذِي الْجَلَالِ , وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَرْجَى الطَّاعَاتِ , وَالسَّبِيلُ إلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .

آدَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

5 -أ - أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . ب - الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ , وَلُبْسِ أَنْظَفِ الثِّيَابِ , وَاسْتِشْعَارُ شَرَفِ الْمَدِينَةِ لِتَشَرُّفِهَا بِهِ صلى الله عليه وسلم . ج - الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ , عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } . د - أَنْ يُتْبِعَ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم بِزِيَارَةِ صَاحِبَيْهِ شَيْخَيْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ جَمِيعًا , أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَقَبْرُهُ إلَى الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ , وَعُمَرَ يَلِي قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ إلَى الْيَمِينِ أَيْضًا .

مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

6 -يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُشِيرُ إلَى أَهَمِّهَا: 1 - التَّزَاحُمُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ , وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا مُوجِبَ لَهُ , بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَدَبِ , لَا سِيَّمَا إذَا أَدَّى إلَى زِحَامِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ شَدِيدٌ . 2 - رَفْعُ الْأَصْوَاتِ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم . 3 - التَّمَسُّحُ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِشُبَّاكِ حُجْرَتِهِ . أَوْ إلْصَاقُ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا يُسْتَحَبُّ التَّمَسُّحُ بِحَائِطِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقْبِيلُهُ , قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْرِفُ هَذَا . قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ مُنَبِّهًا مُحَذِّرًا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم , وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالُوا: وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ , بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْهُ , كَمَا يُبْعَدَ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ , وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعَوَّامِ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ , فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ , وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَّام وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالَاتِهِمْ . قَالَ صلى الله عليه وسلم: { لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا , وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا , وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } . مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ , فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ , عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةُ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعُ أَوْ الشَّهْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ , فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالِانْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ , كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا . وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ , كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ , إمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ . وَقِيلَ: الْعِيدُ مَا يُعَادُ إلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ , فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ , وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ , وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: { وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إلَيَّ فَقَدْ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ , وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا , وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَحْصُلُ مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ , فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا .

صِفَةُ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم:

7 -إذَا أَرَادَ الزَّائِرُ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْوِ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ أَيْضًا , لِتَحْصُلَ سُنَّةُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا . وَإِذَا عَايَنَ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّك فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنْ النَّارِ وَأَمَانًا مِنْ الْعَذَابِ وَسُوءِ الْحِسَابِ . وَإِذَا وَصَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ دَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ الذِّكْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ:"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك". وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يَقُولُ ذَلِكَ , لَكِنْ بِلَفْظِ"وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك". وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ , ثُمَّ يَقْصِدُ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ عليه الصلاة والسلام فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَقِفُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الدَّائِرِيَّةِ الْيُسْرَى مُبْتَعِدًا عَنْهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ إجْلَالًا وَتَأَدُّبًا مَعَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أَمَامَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ , بِأَيِّ صِيغَةٍ تَحْضُرُهُ مِنْ صِيَغِ التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُرْدِفُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَحْضُرُهُ أَيْضًا . 8 - وَقَدْ أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ عِبَارَاتٍ كَثِيرَةً صَاغُوهَا لِتَعْلِيمِ النَّاسِ , ضَمَّنُوهَا ثَنَاءً عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَيَدْعُو الْإِنْسَانُ بِدُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْعُو بِمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ . 9 - وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَوْصَاهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ , أَوْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ . 10 - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعِ الْيَدِ لِلسَّلَامِ عَلَى الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه , لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ كَتِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه . 11 - ثُمَّ يَتَنَحَّى صَوْبَ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه , وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِهِ رضي الله عنه . 12 - ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَقِفَ قُبَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَالْأَوَّلِ , وَيَدْعُو مُتَشَفِّعًا بِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ . وَيُرَاعِي فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحْوَالَ الزِّحَامِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي مُسْلِمًا .

زِيَارَةُ الْقُبُورِ حُكْمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:

1 -لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ تُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا , فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْآخِرَةِ } , وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم { كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ } . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: { أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } . أَمَّا النِّسَاءُ , فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تُكْرَهُ زِيَارَتُهُنَّ لِلْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَلِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِنَّ رِقَّةُ قَلْبٍ , وَكَثْرَةُ جَزَعٍ , وَقِلَّةُ احْتِمَالٍ لِلْمَصَائِبِ , وَهَذَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ , وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْأَصَحِّ - إلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ كَمَا يُنْدَبُ لِلرِّجَالِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ } الْحَدِيثُ . وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ , وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ , وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ - إذَا كُنَّ عَجَائِزَ - وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ , كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: تُكْرَهُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ , لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها { نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ , حَرُمَتْ زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ , وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . قَالُوا: وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ بِقَبْرٍ فِي طَرِيقِهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ فَحَسَنٌ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْكَرَاهَةِ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ , وَكَذَا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَهُ عليهم الصلاة والسلام , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم .

زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ:

2 -ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ زِيَارَة قَبْرِ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تَحْرُمُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ . قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ زَارَ قَبْرَ كَافِرٍ عَلَيْهِ , وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ .

شَدُّ الرِّحَالِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ:

3 -ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ شَدُّ الرَّحْلِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ , وَخُصُوصًا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ . وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ , وَابْنُ تَيْمِيَّةَ - مِنْ الْحَنَابِلَةِ - لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } , وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَهُوَ جَاءٍ مِنْ الطُّورِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ قَالَ: مِنْ الطُّورِ , صَلَّيْت فِيهِ . قَالَ: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ إلَيْهِ مَا رَحَلْت , إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَنَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسَاجِدِ , فَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ مِنْهَا . بِدَلِيلِ جَوَازِ شَدِّ الرِّحَالِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلِلتِّجَارَةِ , وَفِي رِوَايَةٍ { لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } .

زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

4 -لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .

آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ:

5 -قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا , وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا , كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ , وَيَقُولُ: { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ , يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ , أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ } . - أَوْ يَقُولُ: { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } ثُمَّ يَدْعُو قَائِمًا , طَوِيلًا . وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: يَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , وَقِيلَ: يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمَيِّتِ . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ الزَّائِرُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ , وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَزُورِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ , وَأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الدُّعَاءِ إلَى الْقِبْلَةِ , وَعَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى وَجْهِهِ , وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: سُنَّ وُقُوفُ زَائِرٍ أَمَامَهُ قَرِيبًا مِنْهُ , وَقَوْلُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ , وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ أْخِرين , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ . وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ سُنَّةً وَلَا مُسْتَحَبًّا وَلَا نَرَى بَأْسًا , وَعَنْ جَارِ اللَّهِ الْعَلَّامَةِ: إنَّ مَشَايِخَ مَكَّةَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ , وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: إنَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى . قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ: لَا شَكَّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ , لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا أَثَرَ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا عَنْ إمَامٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ , وَلَمْ يُعْهَدْ الِاسْتِلَامُ فِي السُّنَّةِ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ , وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ خَاصَّةً . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ , وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ , وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ . بِدَعُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ: 6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِلْقُبُورِ , ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَظَانِّهَا , وَفِي كُتُبِ الْآدَابِ . وَيُنْظَرُ مَا تَقَدَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام