فهرس الكتاب
الصفحة 44 من 247

بل لما قدم المسلمون إلى الشام غير مرة ومعهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، ثم لما قدم عمر لفتح بيت المقدس ثم لما قدم لوضع الجزية على أهل الذمة ومشارطتهم ثم لما قدم إلى سرغ ، ففي جميع هذه المرات لم يكن أحدهم يقصد السفر إلى قبر الخليل ولا كان هناك مشهد ، بل كان هناك البناء المبني على المغارة وكان مسدودا بلا باب له مثل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم لم يزل الأمر هكذا في خلافة بني أمية وبني العباس إلى أن ملك النصارى تلك البلاد في أواخر المائة الخامسة ، فبنوا ذلك البناء واتخذوه كنيسة ونقبوا باب البناء فلهذا تجد الباب منقوبا لا مبنيا ثم لما استنقذ المسلمون منهم تلك الأرض اتخذها من اتخذها مسجدا .

بل كان الصحابة إذ رأوا أحدا بني مسجدا على قبر نهوه عن ذلك ،ولما ظهر قبر دانيال بتستر كتب فيه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ألى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر أن تحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا وتدفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به (1)

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك ويقول: إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليذهب (2)

فهذا وأمثاله مما كانوا يحققون به التوحيد الذي أرسل الله به إليهم ويتبعون في ذلك سنته صلى الله عليه وسلم.

والإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع

فالنصارى خرجوا عن الأصلين وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة وغيره.

(1) روى ابن أبي شيبة بسند صحيح (33813) عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ لَمَّا فَتَحُوا تُسْتَرَ ، قَالَ: فَوَجَدَ رَجُلاً أَنْفُهُ ذِرَاعٌ فِي التَّابُوتِ , كَانُوا يَسْتَظْهِرُونَ وَيَسْتَمْطِرُونَ بِهِ , فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ , فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ هَذَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّارُ لاَ تَأْكُلُ الأَنْبِيَاءَ , وَالأَرْضُ لاَ تَأْكُلُ الأَنْبِيَاءَ , فَكَتَبَ أَنْ اُنْظُرْ أَنْتَ وَأَصْحَابُك ، يَعَنْي أَصْحَابَ أَبِي مُوسَى فَادْفِنُوهُ فِي مَكَان لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُكُمَا قَالَ: فَذَهَبْت أَنَا ، وَأَبُو مُوسَى فَدَفَنَّاهُ .

(2) - عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا فَقَرَأَ بِنَا فِي الْفَجْرِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ وَ لِإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّهُ وَرَجَعَ وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا: مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: هَكَذَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ بِيَعًا مَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْكُمْ فِيهِ الصَّلاَة فَلْيُصَلِّ وَمَنْ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ مِنْكُمْ فِيهِ الصَّلاَة فَلاَ يُصَلِّ.رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (754) بسند صحيح

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام