فهرس الكتاب
الصفحة 45 من 247

ج13- أخبر (تعالى ) أن العزة للمؤمنين لا للمنافقين (1) ، فعلم أن العزة والقوة كانت في المؤمنين وأن المنافقين كانوا أذلاء بينهم فيمتنع أن يكون الصحابة الذين كانوا أعز المسلمين من المنافقين بل ذلك يقتضى أن من كان أعز كان أعظم إيمانا ، ومن المعلوم أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الخلفاء الراشدين وغيرهم كانوا أعز الناس ، وهذا كله مما يبين أن المنافقين كانوا ذليلين في المؤمنين ، فلا يجوز أن يكون الأعزاء من الصحابة منهم ، ولكن هذا الوصف مطابق للمتصفين به من الرافضة وغيرهم ، والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف ، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق ، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم (2) ، والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية ، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك حتى يحكوا عن جعفر الصادق أنه قال: التقية ديني ودين آبائي (3) ، وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك بل كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان ، وكان دينهم التقوى لا التقية وقول الله تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) [آل عمران/28] (4)

(1) - قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) [المنافقون/8] }

(2) - قال تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) [آل عمران/167] }

(3) عن معلى بن خنيس، قال: قال أبوعبدالله: يا معلى ان التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له [65] [65] - المحاسن، 255 البحار، 2/73 وهذه الرواية عنه كذب قطعاً

(4) - والمعنى: لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء ونصراء ، بل عليهم أن يراعوا ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين ، وأن يقدموها على ما بينهم وبين الكفار من قرابة أو صداقة أو غير ذلك من ألوان الصلات لأن في تقديم مصلحة الكافرين على مصلحة المؤمنين تقديما للكفر على الإيمان ومن شأن المؤمن الصادق في إيمانه أن لا يصدر منه ذلك .

وقد ورد مثل هذا النهى فى كثير من الآيات ومن ذلك قوله - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة } وقوله - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قال الأوسي: وقوله { مِن دُونِ المؤمنين } حال من الفاعل ، أى متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو اشتراكا ، ولا مفهوم لهذا الظرف إما لأنه ورد في قوم بأعيانهم والَوْا الكفار دون المؤمنين فهو لبيان الواقع . أو لأن ذكره للإشارة إلى أن الحقيق بالموالاة هم المؤمنون ، وفى موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفار"."

قالوا: والموالاة الممنوعة هي التي يكون فيها خذلان للدين أو إيذاء لأهله أو إضاعة لمصالحهم ، وأما ما عدا ذلك كالتجارة وغيرها من ضروب المعاملات الدنيوية فلا تدخل في ذلك النهي ، لأنها ليس معاملة فيها أذى للإسلام والمسلمين"."

وكرر - سبحانه - لفظ"المؤمنين"بأداة التعريف أل للإشارة إلى أن الثاني هو عين الأول ، وفي ذلك إشعار بأن المؤمنين الذين يتخذون الكافرين أولياء ونصراء ، يتركون أنفسهم ويهملونها ويتخذون من عدونهم نهاية لها .

ثم قال - تعالى - { وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ } أى: ومن يتخذ الكافرين أولياء وأنصارا من دون المؤمنين ، فإنه في هذه الحالة يكون بعيدا عن ولايته لله ، ومنسلخا منها رأسا وليس بينه وبين الله صلة تذكر .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام