ج63- إنَّ دِينَ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَمْرِ إلَّا اعْتَرَضَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِأَمْرَيْنِ لَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفِرَ: إمَّا إفْرَاطٌ فِيهِ وَإِمَّا تَفْرِيطٌ فِيهِ . وَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ قَدْ اعْتَرَضَ الشَّيْطَانُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ ؛ حَتَّى أَخْرَجَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ شَرَائِعِهِ ؛ بَلْ أَخْرَجَ طَوَائِفَ مِنْ أَعْبَدْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَوْرَعِهَا عَنْهُ حَتَّى مَرَقُوا مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمْيَةِ . وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمَارِقِينَ مِنْهُ ؛ فَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ"عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وَسَهْلِ بْن حنيف وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ"رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ . { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمْيَةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أَوْ فَقَاتِلُوهُمْ ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ } وَفِي رِوَايَةٍ { شَرُّ قَتِيلٍ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ } وَفِي رِوَايَةٍ { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ مَا زُوِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ } (1) . وَهَؤُلَاءِ لَمَّا خَرَجُوا فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَهُمْ هُوَ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْضِيضِهِ عَلَى قِتَالِهِمْ . وَاتَّفَقَ عَلَى قِتَالِهِمْ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ . وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ وَالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ . وَلِهَذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا"الرَّافِضَةَ"الَّذِينَ هُمْ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ سِوَاهُمْ كَافِرٌ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَوْ يُؤْمِنُ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدَعِهِمْ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا . فَإِنَّهُمْ يَمْسَحُونَ الْقَدَمَيْنِ وَلَا يَمْسَحُونَ عَلَى الْخُفِّ وَيُؤَخِّرُونَ الْفُطُورَ وَالصَّلَاةَ إلَى طُلُوعِ النَّجْمِ وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَقْنُتُونَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَيُحَرِّمُونَ الْفُقَّاعَ وَذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُمْ كُفَّارٌ وَيَقُولُونَ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَقْوَالًا عَظِيمَةً لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا إلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ ، فَقَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَإِذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ قَدْ انْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ مَنْ مَرَقَ مِنْهُ مَعَ عِبَادَتِهِ الْعَظِيمَةِ ؛ حَتَّى أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ قَدْ يَمْرُقُ أَيْضًا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى يَدَّعِيَ السُّنَّةَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بَلْ قَدْ مَرَقَ مِنْهَا وَذَلِكَ"بِأَسْبَابِ
(1) - البخاري (3610و6163 و6933) ومسلم (1064و1065) وغيرهما وهو حديث متواتر