فهرس الكتاب
الصفحة 74 من 247

مجتهداً فيما فعلَ ، وأنه أولى بالحقِّ من طلحة والزبير، قيلَ: نعم وطلحةُ والزبيرُ كانا مجتهدينِ وعليٌّ وإن كان أفضلَ منهما ، لكن لم يبلغْ فعلُهما بعائشةَ رضي الله عنها ما بلغَ فعلُ عليٍّ فعليٌّ أعظم أجراً منهما ، ولكنْ إن كان فعلُ طلحة والزبير معها ذنباً ففعلُ عليٍّ أعظمُ ذنباً ، فتقاومَ كبرُ القدر وعظمُ الذنبِ ، فإن قالوا: هما أحوجا عليا إلى ذلك ، لأنهما أتيا بها ، فما فعله عليٌّ مضافٌ إليهما لا إلى عليٍّ ، قيل: وهكذا معاويةُ لما قيل له قد قتلَ عمارٌ ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم تقتلك الفئة الباغية قال أو نحن قتلناه إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا (1) ، فإن كانت هذه الحجةُ مردودةً فحجةُ من احتجَّ بأن طلحة والزبير هما فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانةِ عسكر عليٍّ لها واستيلائهم عليها مردودةٌ أيضا ، وإن قُبلتْ هذه الحجةُ قبلتْ حُجةُ معاوية رضي الله عنه، والرافضةُ وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فسادَ قولهم وتناقضهم، فإنه إن احتجَّ بنظيرها عليهم فسد قولهم المنقوضُ بنظيرها، وإن لم يحتجَّ بنظيرها بطلتْ هي في نفسها، لأنه لا بد من التسويةِ بين المتماثلينِ، ولكنْ منتهاهم مجردُ الهوى الذي لا علم معه ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) [القصص/50] ، وجماهيرُ أهل السنة متفقونَ على أن عليا أفضلُ من طلحة والزبير، والمسلمون لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت معه كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق كما ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فِى فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ فَيَلِى قَتْلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ » (2) هؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم عليٌّ رضي الله عنه وأصحابه ، فعلمَ أنهم كانوا أولى بالحقِّ من معاوية رضي الله عنه وأصحابه ، لكنَّ أهل السنة يتكلمون بعلمٍ وعدلٍ ، ويعطونَ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ

ج36- لو كان الحق كما تقوله الرافضةُ لكان أبو بكر وعمر والسابقون الأولون رضي الله عنهم من شرارِ أهلِ الأرضِ وأعظمهمْ جهلاً وظلماً، حيث عمدوا عقبَ موتِ نبيهم صلى الله عليه وسلم فبدَّلوا وغيَّروا وظلموا الوصيَّ ، وفعلوا بنبوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما لم تفعلْهُ اليهودُ والنصارى عقبَ موتِ موسى والمسيح عليهما الصلاةُ والسلامُ ، فإن اليهود والنصارى لم يفعلوا عَقِبَ موت أنبيائهم ما تقوله الرافضةُ، إن هؤلاء فعلوه عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى قولهم تكونُ هذه الأمة شرَّ أمةٍ أخرجتْ للناس (3) ، ويكون سابقوها شرارَها ، وكل هذا مما يعلم بالاضطرار فسادهُ من دين الإسلامِ ، وهو مما يبين أن الذي ابتدع مذهبَ الرافضةِ كان زنديقاً ملحداً عدوًّا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدعِ المتأولينَ كالخوارجِ والقدريةِ362 جـ (4) .

(1) - عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، دَخَلَ عَمْرِو بْنُ حَزْمٍ ، عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَزِعًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قُتِلَ عَمَّارٌ فَمَاذَا ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: دُحِضْتَ فِي بَوْلِكَ ، أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ ، إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ ، جَاؤُُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا ، أَوْ قَالَ: بَيْنَ سُيُوفَنَا

أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2663) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ ،وهو صحيح كما قال

(2) - أخرجه مسلم برقم (1065) المارقة: طائفة تجاوزت حدود الشرع وتعدته

(3) - قلت: وهذا بعكس ما وصفهم الله تعالى بكتابه العزيز حيث يقول: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) [آل عمران/110] }

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام