وهو اختيار كثير من أهل الحديث والفقهاء والصوفية، كابن بطة وَغَيْرِهِ [1] .
وهؤلاء فيهم من يَقِفُ عن إثبات اللَّفظ مع الموافقة على المعنى، وهو قول كثير منهم، ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى، وعن اللَّفظ [2] .
أدلة هذا القول:
-الدليل الأول: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ [3] .
-الدليل الثاني: عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: يَنْزِلُ اللهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ؟
وفي رواية: ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ؟ » [4] .
وجه الدلالة من الحديثين:
لفظ النُّزول في الحديثين لَفْظٌ مُجْمَلٌ، ليس فيه إثبات للحركة، ولا نَفْيُهُ عنها، وما كان كذلك فالقاعدة تقول: الألفاظ التي سكت النَّصُّ من الكتاب والسُّنَّة عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح، وفاسد؛ كلفظ الحركة، والانتقال، ونحو ذلك من الألفاظ الَّتي تحتها حقٌّ وَبَاطِلٌ، فهذه لا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، ولا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ فإنَّ الله -سبحانه- لم يُثْبِتْ لنفسه هذه المسمَّيات، ولم يَنْفِهَا عنه [5] .
(1) شرح حديث النزول لابن تيمية (ص 188) .
(2) العرش، الذهبي (1/ 227) .
(3) تقدم تخريجه في صفحة (42) .
(4) تقدم تخريجه في صفحة (48) .
(5) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (ص 474) .