فهرس الكتاب
الصفحة 46 من 675

أنَّه قال: تأتي قُدْرَتُهُ. قال: وهذا على حَدِّ الوَهْمِ مِنْ قَائِلِهِ، وخطأ في إضافته إليه» [1] .

الْقَوْلُ الثَّانِي: إنه قالها في المناظرة لهم يوم المحنة إلزامًا لهم على قولهم، فالجهمية تؤول صفة المجيء والإتيان بمجيء أمره، قال تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] ، قال الجهمية: أي يأتي أمر ربك. وقال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] قال الجهمية: أي وجاء أمر ربك. قالت الجهمية: لأن المجيء لا يكون إلاَّ لمخلوق، ودل الحديث على أن البقرة وآل عمران تجيئان يوم القيامة، فالقرآن مخلوق.

فألزمهم أحمد بقولهم، قال لهم: أنتم تتمسكون بتأويل في شأنكم كله، إذا كنتم تقولون: يأتي أمر ربك. جاء أمر ربك. فقولوا بأن مجيء البقرة وآل عمران هو مجيء ثوابهما، لا مجيء القرآن ذاته.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد، وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ مِثْلِ هَذِهِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ رِدُّ التَّأْوِيلِ [2] . .

لكن لا يثبت هذا التأويل عن أحمد، وعلى التسليم: هو من باب إلزام الخصم بقوله. فلا يصح أن يجعل التأويل قولا ثانيا لأحمد.

أما ما ذُكر عن الأوزاعي: روي بصيغة التضعيف مما يدل على ضعفه، وعلى فرض صحته، فهو كلام عام، يدل على أنه الله يفعل ما يشاء، والنزول من أفعال الله - سبحانه وتعالى -، وهو مثل قول إسحاق ابن راهويه حين قال الجهمي له: (كَفَرْتُ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ) ، فقال ابن راهويه: (آمَنْتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [3] . فكلام الأوزاعي ليس فيه تأويل، وقد قال الأوزاعي:"كُنَّا - وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ - نَقُولُ: إنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ"

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن رجب (6/ 534) .

(2) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (8/ 408) (16/ 404) بتصرف.

(3) الأسماء والصفات للبيهقي (951) . وسيأتي بتمامه [1069] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام