وقوله: {وَ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا [1] وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] .
(1) - قوله تعالى (وَ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) فصلاح الأرض باتباع شريعة الله عز وجل والحكم بما أنزل الله تعالى، وفسادها بمخالفة أمر الله والتحاكم إلى غيره
قال الشيخ في الفتاوى (? تحكيم القوانين والأعراف القبلية هذا منكر لا يجوز، والواجب تحكيم شرع الله، كما قال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} والواجب على جميع الدول المدعية الإسلام أن تحكم شرع الله وأن تدع تحكيم القوانين، وعلى القبيلة أي قبيلة أن ترجع إلى حكم الله، ولا ترجع إلى قوانينها وأعرافها وسوالف آبائها.
أما الصلح فلا بأس به من غير إلزام .. فإذا أصلح شيخ القبيلة، أو أحد أفراد القبيلة وأعيانها بين متخاصمين صلحا لا يخالف شرع الله، بأن أشاروا على هذا بأن يسقط بعض حقه، وهذا بأن يتسامح عن بعض حقه، وهذا بأن يعفو: فلا بأس بهذا، أما أن يلزموهم بقوانين ترجع إلى أسلافهم وآبائهم فهذا لا يجوز، أما الصلح بالتراضي على أن هذا يسمح عن بعض حقه، أو يسمح عن سبه لأخيه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به لقول الله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما. (4/ 29)
& لا يجوز إحياء قوانين القبائل وأعرافهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلا من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها وإماتتها والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع الله سبحانه وتعالى، ففيه صلاح الجميع وسلامة دينهم ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل الله بها من سلطان، بل يجب أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، وذلك لا يمنع الصلح بين المتنازعين بما يزيل الشحناء ويجمع الكلمة ويرضي الطرفين بدون إلزام، على وجه لا يخالف الشرع المطهر؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقوله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وقوله جل وعلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ) )، فالواجب الالتزام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إليهما، والحذر مما يخالفهما، والتوبة النصوح مما سلف مما يخالف شرع الله تعالى. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وأعاذنا جميعا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب (8/ 273)
& الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز، ولو قال: إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله. أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم. (4/ 416)
& ما حكم سن القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بسنة هذه القوانين؟
جواب: إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس به مثل أن يسن قانونا للطرق ينفع المسلمين وغير ذلك من الأشياء التي تنفع المسلمين وليس فيها مخالفة للشرع ولكن لتسهيل أمور المسلمين فلا بأس بها. أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنها فإذا سن قانونا يتضمن أنه لا حد على الزاني أو لا حد على السارق أو لا حد على شارب الخمر فهذا قانون باطل وإذا استحله الوالي كفر لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك.
سؤال: كيف نتعامل مع هذا الوالي؟ جواب: نطيعه في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل. (7/ 124)
& وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله؛ بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها، والإيمان بأنها الحكم بين الناس، فلابد من هذا، فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها، أو قال: إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد، أو إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال - سواء كانت شرقية أو غربية - فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه، ويكون بذلك كافراً كفراً أكبر، فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه، ولكن لو حكم كان أفضل، أو رأى أن القانون أفضل، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله، فهو مرتد عن الإسلام، وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يقول: إن الشرع أفضل، ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع.
النوع الثاني: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء، ولا فرق.
النوع الثالث: أن يقول: إن القانون أفضل وأولى من الشرع، وهذا أقبح الثلاثة، وكلها كفر وردة عن الإسلام. أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله؛ لهوىً في نفسه ضد المحكوم عليه، أو لرشوة، أو لأمور سياسية، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب، وهو بذلك يكون كافراً كفراً أصغر، وظالماً ظلماً أصغر، وفاسقاً فسقاً أصغر، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد وجماعة من السلف - رحمهم الله - وهو قول أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم. (24/ 222)
وقال الشيخ (الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام:
(القسم الأول) من درسها أو تولى تدريسها ليعرف حقيقتها أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها أو ليستفيد منها فيما لا يخالف الشرع المطهر أو ليفيد غيره في ذلك، فهذا لا حرج عليه فيما يظهر لي من الشرع , بل قد يكون مأجورا ومشكورا إذا أراد بيان عيوبها وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها , والصلاة خلف هذا القسم لا شك في صحتها , وأصحاب هذا القسم حكمهم حكم من درس أحكام الربا وأنواع الخمر وأنواع القمار ونحوها كالعقائد الفاسدة , أو تولى تدريسها ليعرفها ويعرف حكم الله فيها ويفيد غيره , مع إيمانه بتحريمها كإيمان القسم السابق بتحريم الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل وليس حكمه حكم من تعلم السحر أو علمه غيره؛ لأن السحر محرم لذاته لما فيه من الشرك وعبادة الجن من دون الله، فالذي يتعلمه أو يعلمه غيره لا يتوصل إليه إلا بذلك أي بالشرك بخلاف من يتعلم القوانين ويعلمها غيره لا للحكم بها ولا باعتقاد حلها ولكن لغرض مباح أو شرعي كما تقدم.
(القسم الثاني) من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله , ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك. فأصحاب هذا القسم لا شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر لا يخرجون به من دائرة الإسلام , وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم , وذكر معناه العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتاب (الصلاة) وللشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموعة (الرسائل الأولى) . (القسم الثالث) من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلا للحكم بها سواء اعتقد أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرا أكبر؛ لأنه باستحلاله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلا لما علم من الدين بل لضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما , ولأنه بهذا الاستحلال يكون قد كذب الله ورسوله وعاند الكتاب والسنة , وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا) (2/ 325)