فهرس الكتاب
الصفحة 68 من 106

الباب الثالث والثلاثون [1] - باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] [2]

(1) - (فجر الخميس 13/ 10 / 1417) (التعليق على الشرح - فتح المجيد -)

(2) - أراد المصنف بهذه الترجمة بيان وجوب التوكل على الله عليه وسلم والاعتماد عليه في جميع الأمور الدينية والدنيوية، والتوكل هو تفويض الأمور لله جل وعلا والثقة به سبحانه والإيمان بأنه مسبب الأسباب وكل شيء بيده وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو واجب على المؤمنين، فالتوكل يجمع أمرين

أ - الثقة به سبحانه والاعتماد عليه والإيمان بأنه مسبب الأسباب ومصرف الأمور

ب - تعاطي الأسباب التي شرعها الله عز وجل من أسباب دخول الجنة وأسباب النجاة من النار وكذلك تعاطي أسباب ما ينفعه في الدنيا من الأكل والشرب واللباس والزراعة والنجارة وغيرها، فيتعاطى الأسباب التي فيها قوام حياته وأسباب سلامته والتي تعينه على طاعة الله ورسوله

قال الشيخ في الفتاوى (التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأن قدره نافذ وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.

الثاني: تعاطي الأسباب فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل؛ لأن الله عز وجل أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب بل لا يكون متوكلا حقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح للعفة وحصول الولد وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس أنا لا أتزوج وانتظر الولد بدون زواج لعد من المجانين، وليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لو جلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات لم يكن ذلك مشروعا ولا توكلا بل يجب عليه أن يسعى في طلب الرزق ويعمل ويجتهد مع القدرة على ذلك ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ومن قال ذلك فقد غلط وقد قال الله لها: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فكلي واشربي} الآية، وهذا أمر لها بالأسباب وقد هزت النخلة وتعاطت الأسباب، حتى وقع الرطب فليس في سيرتها ترك الأسباب، أما وجود الرزق عندها وكون الله أكرمها به وأتاح لها بعض الأرزاق فلا يدل على أنها معطلة للأسباب بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب، وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئا من الكرامات فهذا من فضله سبحانه لكن لا يدل على تعطيلهم الأسباب فقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فشرع لعباده العبادة له والاستعانة به وكلتاهما من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، والآيات الدالة على ذلك كثيرة (4/ 427 ) )

وقال أيضاً (يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراضٍ باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك؛ ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً، حسبما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية المباحة، ولا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى. وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة ونحوهم، ممن يدّعون معرفة الغيبيات؛ ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به، فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجن؛ ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكفر والضلال؛ لكونهم يدّعون أمور الغيب(26/ 160 ) )

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام