الباب الرابع والثلاثون [1] - باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] ، [2] وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] . [3]
(1) - (الفوائد التالية منتقاة من أشرطة شرح كتاب التوحيد لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى والأشرطة مسجلة من تسجيلات الشريط الإسلامي بشارع السويدى العام بالرياض _ توقف القارئ الشيخ سعد البريك هنا عن القراءة في الشرح)
(2) - هذا الباب في بيان تحريم الأمن من مكر الله وتحريم القنوط من رحمة الله وأنها من الكبائر فالأمن من مكر الله يوصل بصاحبه إلى التساهل في أوامر الله والوقوع في محارمه فمن أمن مكر الله ساءت أعماله وأخلاقه وتصرفاته، وأما القانط من رحمة الله فإنه يسوء ظنه بربه عز وجل فيحصل له من ضيق النفس وتحرجها ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
والله عز وجل حرم هذا وهذا فلا قنوط ويأس ولا أمن من مكر الله عز وجل بل يجب أن يكون بين الرجاء والخوف بين الأمن والقنوط خائفاً من عذابه وعقابه راجياً رحمته وعفوه فيسير إلى ربه كالطير بالجناحين خائفاً راجياً هذا هو طريق السعادة
وفضل بعض أهل العلم أن يغلب جانب الخوف حال الصحة وجانب الرجاء حال المرض لأنه حال المرض يضعف عمله فينبغي أن يحسن ظنه بربه أكثر وفي حال الصحة هو أقدر على المعاصي فينبغي أن يغلب جانب الخوف
والأصل والأساس أن يكون بين الأمرين بين الرجاء والخوف فيخاف الله ويرجوه ويحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى ويسارع إلى مراضيه ويحذر بطشه خائفاً راجياً
قال الشيخ في الفتاوى (هذه الآية العظيمة يحذر الله فيها - سبحانه - عباده من الأمن من مكره، فيقول - سبحانه: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} المقصود من هذا: تحذير العباد من الأمن من مكره؛ بالإقامة على معاصيه، والتهاون بحقه، والمراد من مكر الله به: كونه يملي لهم، ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم؛ بسبب إقامتهم على معاصيه، وأمنهم من عقابه وغضبه، كما قال - سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ، وقال - عز وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، وقال - سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} ؛ أي: آيسون من كل خير. فالواجب على المسلمين ألا يقنطوا من رحمة الله، ولا يأمنوا من مكره وعقوبته، بل يجب على كل مسلم أن يسير إلى الله - سبحانه - في هذه الدنيا - الدار الفانية - بين الخوف والرجاء، فيذكر عظمته وشدة عقابه إذا خالف أمره، فيخافه ويخشى عقابه، ويذكر رحمته وعفوه ومغفرته وجوده وكرمه، فيحسن به الظن، ويرجو كرمه وعفوه. والله الموفق - سبحانه - لا إله غيره، ولا رب سواه) (24/ 232)
قال الشيخ في الفتاوى (يجب على المؤمن والمؤمنة أن يخافا الله سبحانه ويرجواه؛ لأن الله سبحانه قال في كتابه العظيم: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقال عز وجل: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} وقال عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} في آيات كثيرة ولا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة اليأس من رحمة الله، ولا الأمن من مكره، قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وقال تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} وقال عز وجل: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ) . (6/ 398)
(3) - قوله تعالى (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) أي لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون فهو استفهام بمعنى النفي