وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَة مِنْ خَلاَقٍ} الآية [البقرة: 102] . [3]
(1) - (فجر الخميس 19/ 10/1414) (التعليق على الشرح - فتح المجيد -)
(2) - السحر بكسر السين هو ما يتعاطاه السحرة من أدوية ونفث في العقد وغير ذلك مما يتعاطاه أرباب هذا الفن وسمي سحراً لأنهم يتعاطونه بطرق خفية، والسحر هو ما يسحر الناس ويغير شعورهم بأي نوع من كان ولكنها في الغالب تكون خفية ولهذا يقال لآخر الليل سحراً لأنه يكون في آخر الليل عند هجعة الناس ويقال للرئة سحر لأنها داخل الجوف مخفية.
فالسحر عقد ورقى يفعلها السحرة وينفثون في عقدهم وأشياء يجمعونها وأشياء يتلقونها من الجن والشياطين حتى ينفذوا ما يريدون وهو منكر وهو من الشرك لأنه لا يتوصل إليه إلا بخدمة الشياطين والتقرب إليهم وعبادتهم من دون الله قال تعالى (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) فدل على أن تعلمهم إياه يوجب الكفر قال تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) يعني لمن فعله واعتاضه ما له في الآخرة من حظ ولا نصيب فهذا يدل على تحريمه وإنكاره وأنه من المنكرات التي يجب تركها
وقال تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) فدل على أنه ضد الإيمان وضد التقوى ولهذا قال أهل العلم إنه من الكفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والشياطين وقال بعضهم
يستفصل: فما كان منه ما يتعلق بالشياطين وعبادة الجن فهذا من الكفر بالله. وأما ما ليس له تعلق بالشياطين ولا عبادة الجن فهو من المحرمات والمنكرات التي فيها ظلم العباد والتعدي عليهم
(3) - قوله تعالى (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) هذا يدل على أن للسحر تأثير
وقوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي الكوني القدري أي بقدره وقضائه وكونه مقدراً لا يوجب العذر لمتعاطيه
قال الشيخ في الفتاوى (لا شك أن السحر موجود، وبعضه تخييل، وأنه يقع ويؤثر بإذن الله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى في حق السحرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} يعني الملكين {حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} فالسحر له تأثير، ولكنه بإذن الله الكوني القدري، إذ ما في الوجود من شيء إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، ولكن هذا السحر له علاج وله دواء، وقد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم فخلصه الله منه وأنجاه من شره، ووجدوا ما فعله الساحر، فأخذ وأتلف، فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فإن ذلك يتلف؛ لأن السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ويضربوا عليها لمقاصدهم الخبيثة، فقد يتم ما أرادوا بإذن الله، وقد يبطل، فربنا على كل شيء قدير، سبحانه وتعالى، وتارة يعالج السحر بالقراءة سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه، إذا كان عقله سليما، وتارة بقراءة غيره عليه، فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ويقرأ عليه الفاتحة، وآية الكرسي،(و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين، وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة طه، من سورة الأعراف قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} ومن سورة يونس قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} ومن سورة طه قوله سبحانه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ويقرأ أيضا سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى آخرها، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} * {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} * {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} والأولى أن يكرر سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين ثلاث مرات، ثم يدعو له بالشفاء (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما) ، ويكرر هذا ثلاثا، وهكذا يرقيه بقوله: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك) ، ويكررها ثلاثا ويدعو له بالشفاء والعافية وإن قال في رقيته: (أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق) وكررها (ثلاثا) فحسن، كل هذا من الدواء المفيد، وإن قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقيه كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان هذا أيضا من أسباب الشفاء، وقد جرب هذا كثيرا ونفع الله به، وقد فعلناه مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك. فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حبس عن زوجته. لأن بعض الناس قد يحبس عن زوجته فلا يستطيع جماعها، فإذا استعمل هذه الرقية وهذا الدعاء نفعه بإذن الله، سواء قرأه على نفسه أو قرأه عليه غيره أو قرأه في ماء ثم شرب منه واغتسل بالباقي - كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته، وهذه من الأسباب، والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده، وهو على كل شيء قدير، بيده جل وعلا الدواء والداء، وكل شيء بقضائه وقدره سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) وهذا فضل منه سبحانه وتعالى. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. (6/ 368 ) )