وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16] . [2]
(1) - &&& الفوائد المنتقاة على الباب السابع والثلاثين
1 -قوله (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا) الشرك شركان أكبر وأصغر، وإرادة العبد بعمله الدنيا تارة يكون شركاً أكبر وتارة يكون شركاً أصغر فإن أراد بإسلامه ودخوله في الدين الدنيا فهذا شرك أكبر كالمنافق فإنه ما أراد بإسلامه إلا الدنيا، وتارة يكون شركاً أصغر كالذي يرائي فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر رياء أو يتجهز للغنيمة وليس في سبيل الله فهذا من الشرك الأصغر.
قال الشيخ في الفتاوى (الشرك الخفي ذكر بعض أهل العلم أنه قسم ثالث، واحتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ) )؟ قالوا بلى يا رسول الله قال (( الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه ) )خرجه الإمام أحمد. والصواب: أن هذا ليس قسما ثالثاً، بل هو من الشرك الأصغر، وهو قد يكون خفيا؛ لأنه يقوم بالقلوب، كما في هذا الحديث، وكالذي يقرأ يرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي، أو يجاهد يرائي، أو نحو ذلك. وقد يكون خفياً من جهة الحكم الشرعي بالنسبة إلى بعض الناس كالأنواع التي في حديث ابن عباس السابق. وقد يكون خفياً وهو من الشرك الأكبر كاعتقاد المنافقين .. فإنهم يراءون بأعمالهم الظاهرة، وكفرهم خفي لم يظهروه، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} الآية، والآيات في كفرهم وريائهم كثيرة، نسأل الله العافية.
وبما ذكرنا يعلم أن الشرك الخفي لا يخرج عن النوعين السابقين: شرك أكبر، وشرك أصغر، وإن سمي خفيا. فالشرك يكون خفياً ويكون جلياً. فالجلي: دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، ونحو ذلك.
والخفي: ما يكون في قلوب المنافقين يصلون مع الناس، ويصومون مع الناس، وهم في الباطن كفار يعتقدون جواز عبادة الأوثان والأصنام، وهم على دين المشركين. فهذا هو الشرك الخفي الأكبر، لأنه في القلوب. وهكذا الشرك الخفي الأصغر، كالذي يقصد بقراءته ثناء الناس، أو بصلاته أو بصدقته أو ما أشبه ذلك، فهذا شرك خفي، لكنه شرك أصغر. فاتضح بهذا أن الشرك شركان: أكبر، وأصغر، وكل منهما يكون خفياً: كشرك المنافقين .. وهو أكبر، ويكون خفياً أصغر كالذي يقوم يرائي في صلاته أو صدقته أو دعائه لله، أو دعوته إلى الله أو أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر أو نحو ذلك. (1/ 46 - 47) (3/ 290 ) )
(2) - - قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) ففي هذه الآية تقييد لما أطلق في قوله تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) وقوله تعالى (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) فالآية الأولى تقيد ما أطلق بعدها فمن أراد الدنيا قد يؤتاها ويحصل له ما يريد والبعض لا يحصل له ما أراده منها.