الباب الثاني والأربعون - باب قول الله تعالى {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] [1]
وقال ابن عباس في الآية: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوادء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا، لآتانا اللصوص، ولولا البط في الدار، لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلاناً، هذا كله به شرك. رواه ابن أبي حاتم. [2]
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ» . رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم [3]
(1) - أراد المؤلف بهذه الترجمة تحذير الناس من اتخاذ الأنداد
والأنداد جمع ند وهو المثل والنظير، وقد سمى الله عز وجل من يتخذ ويعبد من دونه أنداداً لأنهم مثلوه بالله لما عبدوه مع الله عز وجل
(2) - قوله (وقال ابن عباس في الآية: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي) فسره رحمه الله بالشرك الخفي ومراده أنه داخل في ذلك فالشرك الأصغر داخل في اتخاذ الأنداد لكن الشرك الأكبر من دعوة الأصنام والأحجار والأموات أظهر وأبين فمراده رحمه الله تعالى التنبيه على الشرك الأصغر لأنه يجر إلى الشرك الأكبر، فاتخاذ الواو نوع من التنديد لأن الواو تقتضي المشاركة والمساواة فيحرم ذلك ولا يجوز فعله مع الله عز وجل
قال الشيخ في الفتاوى (- ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: هو الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على صفاةٍ سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وقول: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا. هذا كله به شرك رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن(1/ 45 ) )
(3) - قوله (وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ» . رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم) الصواب أن الرواية عن ابن عمر عند أبي داود والترمذي والحاكم لا عمر رضي الله عنهما
* قوله (فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ) لأن الحلف بغير الله تعظيم له واعتقاد فيه أنه يصلح لهذا الأمر
* قوله (فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ) شك من الراوي فيحتمل هذا الشك من ابن عمر ويحتمل أن يكون ممن بعده والمعنى واحد وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر نفسه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك)
قال الشيخ في الفتاوى (ثبت في المسند بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( من حلف بشيء دون الله فقد أشرك ) )وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي رحمهم الله بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) )وهذا يحتمل أن يكون شكاً من الراوي، ويحتمل أن أو بمعنى الواو، والمعنى: فقد كفر وأشرك. (1/ 45) (7/ 51) (23/ 96 ) )
قال الشيخ في الفتاوى (لا يجوز الحلف بالكعبة ولا بغيرها من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) رواه الإمام أحمد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. والأحاديث في ذلك كثيرة وفيها يعلم تحريم الحلف بالكعبة والأمانة والأنبياء وغيرهم من سائر الخلق. واليمين الشرعية هي اليمين بالله وحده وصفتها أن يقول: والله أو بالله أو تالله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا وهكذا لو حلف بغير اسم الجلالة من أسماء الله وصفاته كالرحمن والرحيم ومالك الملك وحياة الله وعلم الله ونحو ذلك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف كثيرا بقوله:"والذي نفسي بيده"والله ولي التوفيق (4/ 146)
وقال أيضاً (ومن الأعمال المنكرة الشركية: الحلف بغير الله؛ كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بغيره من الناس، والحلف بالأمانة، وكل ذلك من المنكرات ومن المحرمات الشركية؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(( من حلف بشيء دون الله فقد أشرك ) )خرجه الإمام أحمد رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح، وأخرج أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) )وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من حلف بالأمانة فليس منا ) )والأحاديث في ذلك كثيرة.
والحلف بغير الله من الشرك الأصغر عند أهل العلم، فالواجب: الحذر منه، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وهذا من الله ومن فلان، والواجب: أن يقال: ما شاء الله ثم شاء فلان، أو لولا الله ثم فلان، أو هذا من الله ثم من فلان. لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) )) (8/ 28 ) )
* الحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يكون من الشرك الأكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به له شأن من التصرف في الكون أو أنه يصلح لئن يعبد من دون الله أو أنه عظيم كعظمة الله جل وعلا
قال الشيخ في الفتاوى (والحلف بغير الله من الشرك الأصغر، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحقه الله، وأنه يجوز أن يعبد مع الله، ونحو ذلك من المقاصد الكفرية(23/ 103 ) )
وقال أيضاً (وهكذا الحلف بغير الله، كالحلف بالكعبة، والأنبياء والأمانة وحياة فلان، وبشرف فلان ونحو ذلك، فهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر على حسب ما يكون في قلب صاحبه، فإذا كان في قلب الحالف بالنبي أو البدوي أو الشيخ فلان، أنه مثل الله، أو أنه يدعى مع الله، أو أنه يتصرف في الكون مع الله أو نحو ذلك، صار شركاً أكبر بهذه العقيدة، أما إذا كان الحالف بغير الله لم يقصد هذا القصد، وإنما جرى على لسانه من غير هذا القصد لكونه اعتاد ذلك، كان ذلك شركاً أصغر(1/ 44 ) )