فهرس الكتاب
الصفحة 40 من 106

في الصحيح عن عائشة، أن أُمّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأرض الْحَبَشَةِ، وما فيها من الصور، فقال: «أُولَئِكِ، إِذَا مات فِيهِمُ الرّجُلُ الصّالِحُ أو العبد الصالح، بَنَوْا عَلَىَ قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله» فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.

ولهما عنها، قالت: لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، طَفِقَ يَطْرَحُ خُمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِذَا اغْتَمّ بها كشَفَهَا فقال وهو كذلك: «لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» [3] يُحَذّرُ مَا صَنَعُوا، وَلَوُلاَ ذَلكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنّهُ خُشِيَ أَنّ يُتّخَذَ مَسْجِداً. أخرجاه

(1) - (فجر الخميس 26/ 6/1417) (التعليق على المتن)

(فجر الخميس 23/ 6/1413) (التعليق على الشرح - فتح المجيد -)

(2) - هذا الباب فيه التحذير من الشرك وذرائعه، فالتعبد عند القبور وسيلة للشرك الأكبر فالبدع بريد الشرك

(3) - قوله (اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) عند مسلم (وصالحيهم) وقد سقطت عند المؤلف وقد جمع بهذا التحذير من إتخاذ القبور مساجد من ثلاثة أوجه:

أ - الأول ذم من فعل ذلك

ب - الثاني (فَلاَ تَتّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ)

ج - الثالث (إِنّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ)

قال الشيخ في الفتاوى (الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من يتخذ المساجد على القبور، وحذر من ذلك، كما في الحديث السابق، وقال:(ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم في الصحيح. وروى الشيخان، عن عائشة رضي الله عنها، أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) فبين صلى الله عليه وسلم أن الذين يبنون المساجد على القبور هم شرار الخلق عند الله، وحذر من فعلهم. فدل ذلك على أن المسجد المقام على قبر أو أكثر يهدم، فإن كان المسجد هو الذي بني أخيراً على القبور وجب هدمه، وأن تترك القبور بارزة ليس عليها بناء، كما كانت القبور في عهده صلى الله عليه وسلم، في البقيع وغيره، وهكذا إلى اليوم في المملكة العربية السعودية، فالقبور فيها بارزة ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد ولا بناء، ولله الحمد والمنة. أما إن كان المسجد قديما ولكن أحدث فيه قبر أو أكثر فإنه ينبش القبر وينقل صاحبه إلى المقابر العامة التي ليس عليها قباب ولا مساجد ولا بناء، ويبقى المسجد خاليا منها حتى يصلى فيه. أما احتجاج بعض الجهلة بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه في مسجده فلا حجة في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته وليس في المسجد، ودفن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن لما وسع الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد؛ بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد؛ حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك، وقد أنكر عليه أهل العلم ذلك، فلا يجوز أن يقتدى به في هذا، ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور أو اتخاذها مساجد؛ لأن هذا بيت مستقل أدخل في المسجد؛ للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد لا تضره، وهكذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم مفصول بجدار وقضبان. وينبغي للمسلم أن يبين لإخوانه هذا؛ حتى لا يغلطوا في هذه المسألة (13/ 236 - 240 - 242 ) )

وقال أيضاً (وأما وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في مسجده صلى الله عليه وسلم فليس به حجة على دفن الموتى في المساجد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيته- في بيت عائشة رضي الله عنها- ثم دفن صاحباه معه، فلما وسع الوليد بن عبد الملك المسجد أدخل الحجرة فيه على رأس المائة الأولى من الهجرة، وقد أنكر عليه ذلك أهل العلم، ولكنه رأى أن ذلك لا يمنع من التوسعة، وأن الأمر واضح لا يشتبه. وبذلك يتضح لكل مسلم أنه صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما لم يدفنوا في المسجد، وإدخالهم فيه بسبب التوسعة ليس بحجة على جواز الدفن في المساجد؛ لأنهم ليسوا في المسجد، وإنما هم في بيته عليه الصلاة والسلام، ولأن عمل الوليد لا يصلح حجة لأحد في ذلك، وإنما الحجة في الكتاب والسنة، وفي إجماع سلف الأمة رضي الله عنهم، وجعلنا من أتباعهم بإحسان.(13/ 229 ) )

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام