ولهما عن أنسٍ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لاَ عَدْوَىَ، [1] وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ» . قالوا: وما الفأل؟ قال: «الْكَلِمَةُ الطّيّبَةُ» [2]
(1) - قوله (لاَ عَدْوَىَ) المخالطة تكون سبباً للعدوى والله جل وعلا هو المقدر لوقوعها فقوله (لا عدوى) أي بطبعها ونفسها وليس لقدرة المرض وسرعة تأثيره والمؤمن مأمور بترك الأسباب المفضية إلى الشر (فر من المجذوم فرارك من الأسد) (لا يورد ممرض على مصح) فالمراد إبطال ما على أهل الجاهلية تأثير العدوى بنفسها وطبعها
قال الشيخ في الفتاوى (ومن البدع: ما يعتقده بعض الجهال في شهر صفر من أنه لا يسافر فيه، فيتشاءمون به، وهذا جهل وضلال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ) )متفق على صحته، وزاد مسلم: (( ولا نوء ولا غول ) )لأن اعتقاد العدوى والطيرة والتعلق
بالأنواء، أو الغول، كل هذه من أمور الجاهلية التي تقدح في الدين. ومن زعم أن هناك عدوى فهذا باطل، ولكن الله جعل المخالطة لبعض المرضى قد تكون سببا لوجود المرض في الصحيح، ولكن لا تعدي بطبعها، ولما سمع بعض العرب قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى .. ) )قال يا رسول الله الإبل تكون في الرمال كأنها الظباء فإذا دخلها الأجرب أجربها قال صلى الله عليه وسلم (( فمن أعدى الأول ) )أي: من الذي أنزل الجرب في الأول. فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى إذا شاء أجربها بسبب هذا الجرب، وإن شاء لم يجربها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( لا يوردن ممرض على مصح ) )يعني: لا توردوا الإبل المريضة على الصحيحة، بل تكون هذه على حدة وهذه على حدة، وذلك من باب اتقاء الشر والبعد عن أسبابه، وإلا فالأمور بيد الله، لا يعدي شيء بطبعه إنما هو بيد الله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} فالخلطة من أسباب وجود المرض فلا
تنبغي الخلطة، فالأجرب لا يخالط الصحيح، هكذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاتقاء والحذر من أسباب الشر، لكن ليس المعنى: أنه إذا خالط فإنه سيعدي، لا، قد يعدي وقد لا يعدي، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى؟ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (( فمن أعدى الأول ) ).
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: (( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) )والمقصود: أن تشاؤم أهل الجاهلية بالعدوى وبالتطير أو الهامة - وهي: روح الميت، يقولون: إنها تكون كأنها طائر حول قبره يتشاءمون بها - وهذا باطل لا أصل له، وروح الميت مرتهنة بعمله إما في الجنة أو النار) (8/ 13)
وقال أيضاً في الفتاوى (ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:(( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل ) ).والمعنى: إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية، من أن الأشياء تعدي بطبعها، فأخبرهم - صلى الله عليه وسلم- أن هذا الشيء باطل، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده، فقال بعض الحاضرين له - صلى الله عليه وسلم-، يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء كأنها الغزلان، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (( فمن أعدى الأول ) ). والمعنى أن الذي أنزل الجرب في الأول هو الذي أنزله في الأخرى، ثم بين لهم - صلى الله عليه وسلم- أن المخالطة قد تكون سبباً لنقل المرض من المريض إلى الصحيح، بإذن الله عز وجل؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم-: (( لا يورد ممرض على مصح ) ). والمعنى: النهي عن إيراد الإبل المريضة ونحوها بالجرب ونحوه مع الإبل الصحيحة؛ لأن هذه المخالطة قد تسبب انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة بإذن
الله، ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم- (( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) )) وذلك؛ لأن المخالطة له قد تسبب انتقال المرض منه إلى غيره، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه أكل مع مجذوم وقال: (( كل بسم الله ثقة بالله ) )ليبين - صلى الله عليه وسلم- أن انتقال الجذام من المريض إلى الصحيح إنما يكون بإذن الله، وليس هو شيئاً لازماً.
والخلاصة: أن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها، وإنما الأمر بيد الله سبحانه. إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك. ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يفضي إلى الشر.
أما قوله - صلى الله عليه وسلم-: (( ولا طيرة ) )فالمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وقال في الحديث الآخر: (( الطيرة شرك الطيرة شرك ) ). وقال - صلى الله عليه وسلم-: (( إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ) ). وروي عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: أن يقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله إلا غيرك ) ).
وأما الهامة: فهو طائر يسمى البومة، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت رب هذا البيت، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم-: (( ولا صفر ) )فهو الشهر المعروف وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون به. فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأوضح - صلى الله عليه وسلم- أنه كسائر الشهور ليس فيه ما يوجب التشاؤم.
وقال بعض أهل العلم: إنها دابة تكون في البطن، تسمى: صفر. وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيها أنها تعدي، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك.
وأما النوء: فهو واحد الأنواء، وهي النجوم، وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون ببعض النجوم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك. وقد أوضح الله سبحانه في القرآن العظيم أنه خلق النجوم زينة للسماء ورجوماً للشياطين. وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} ، وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية. وقال سبحانه: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .
وأما الغول: فهو جنس من الجن يتعرضون للناس في الصحراء، ويضلونهم عن الطرق ويخوفونهم، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيهم، وأنها تتصرف بقدرتها، فأبطل الله ذلك. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان ) ). والمعنى: أن ذكر الله يطردها، وهكذا التعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، يقي من شرها وشر غيرها، مع الأخذ بالأسباب التي جعلها الله أسباباً للوقاية من كل شر.
أما الفأل: فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة، فتسره، ولكن لا ترده عن حاجته، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم- الفأل بذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (( ويعجبني الفأل. قالوا: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة ) )ا. هـ. ومن أمثلة ذلك أن يسمع المريض من يقول: يا سليم يا معافى فيسره ذلك، وهكذا إذا سمع من ينشد ضالة من يقول: يا واجد، أو يا ناجح أو يا موفق فيسره ذلك ويتفاءل به. والله ولي التوفيق) (25/ 88 - 99)
(2) - الفأل شيء يسمعه الإنسان أو يراه فيفرح به ويسر ولا يرده عن حاجته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء سهيل بن عمرو قال (سهل أمركم) فالفأل مباح وليس من الطيرة الممنوعة لأنه يورث انتعاشاً وراحة للقلب.