وعندنا هنا أيضا في الجزيرة العربية نفس الشيء في القبائل التي ما تزال تتحاكم إلى أحكام العشيرة وإلى سلوم القبائل وإلى عادات القبائل، وهذا أمر كبير وإن كان والحمد لله في هذه الأيام وفي هذا الزمان أخف منه بكثير في الأزمان الماضية.
ولكن أحب أن أذكر في هذا المقام ما جاء في وثيقة قديمة، هي إحدى الوثائق في منطقة غامد وزهران؛ حتى نعلم ما كان يتحاكم إليه، وربما يوجد في مناطق أخرى ما هو أشد منها، لكن هذا نموذج إذ إنها تعتبر من الوثائق الخطية، أي إنها لم تكن مجرد قانون عرفي وإنما قانون مكتوب، وكبار السن في القبيلة هناك يعرفون كل الكلام الذي فيها، أما نحن وأمثالنا فقد لا نستطيع أن نفهم البعض منها. وهذه القبيلة كتبت الوثيقة عام 1260.وهي تعطينا فكرة عن أشياء كثيرة نعرضها الآن.
أول شيء في ظل فقدان الحكم إذا لم توجد حكومة مركزية فالناس يجدون أنفسهم مضطرين إلى أن يصنعوا أشياء يتآلفون ويتعارفون عليها، من هنا يأتي شيخ القبيلة ودوره في عقد اتفاق مع قبيلة أخرى، فقد كان هناك قتل ونهب وأسواق يتاجرون فيها وحدود بين القبائل ولا بد أن يوضع لها شيء يضبطها. هذه الوثيقة التي يسمونها"الشدة"- الشدة بمعنى العقد أو المعاهدة - تعطي نموذجا لفكر يعتبر راقيا؛ وفيها شيء من الأحكام الشرعية، وفيها نوع من حفظ الحقوق، وفيها مخالفات واضحة كما لا يخفى.
أول هذه الوثيقة يقول: (الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين. لقد تحاضر جماعة من المسلمين ممن يأتي أسماؤهم) وذكروا أسماء لا داعي لذكرها. قالوا: (وإنه عهد موروث حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. مادام الله يعبد، والماء يورد، والغراب أسود