وهذا واقع تشهد به أحوال الأمم في هذا الزمان وفي غيره، أن التحاكم إلى غير شرع الله والتقاضي إلى غير ما أنزل الله سبحانه وتعالى شر في الدنيا، وما ينتظرهم عند الله سبحانه وتعالى أعظم من ذلك وأشد، قال تعالى:"ولعذاب الآخرة أكبر".
أي هذا الذي قرره الله وبينه عكس ما يقوله المنافقون، الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، حيث يقولون: (إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) .
وهذه الدعاوى قديمة حديثة. وليس أحد يتجرأ على الله عز وجل من غير تأويل، ومن غير شبهة ومن غير دعوى حتى الأصنام لما عبدت إنما عبدت بتأويل. حجارة صماء بكماء كما يراها العقلاء، لا تملك نفعا ولا ضرا، وعبدت من دون الله، لماذا؟ قالوا: هذه الأحجار نحتت في الأصل على صورة"ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر"وهؤلاء رجال صالحون لهم عند الله مكانة، فينبغي أن ننحت صورهم لنتذكر عبادتهم، ونعبد الله مثل عبادتهم ثم عبدت تلك الأحجار، ثم عبد أي حجر.
وكما ورد في السير أن الناس كانوا يأتون إلى البيت الحرام إلى الكعبة ويعظّمون البيت الحرام، يُعظمونه لأنه بيت الله، وفيه الحجر الأسود، فأصبح بعض الناس يحمل الحجارة من مكة ويذهب بها إلى بلاده، ويقول هذه من مكة، هذه من الكعبة، هذه من بلد الله الحرام، فيعظمها الناس ويتمسحون بها ويحتفظون بها، فآل الزمن إلى أن يعبد ويسجد لهذا الحجر.
إذن كل شيء بالتأويل. وهؤلاء المتحاكمون إلى القوانين الوضعية يقولون: نحن لم نقصد مخالفة أحكام الدين ولم نقل إن القرآن حكمه ليس صالحا؛ لا نقول ذلك وإنما نريد الإحسان