الحمد لله مداول الأيام بين أجيال نسيم الأنام، ومباوب حدث السلطان في آنف أحايين الأزمان، من عقيب خالف بعد عقيب سالف؛
الذي وسم دار الغرور بالطعن والغير والفناء، ووسم دار الحبور بالعدن والجدة والبقاء، تنبيها لذوي الحجي عن الزهد في حطام الاولى، وشحذا لاولي النهي علي اقتناء موفور زاد التقوي الى الآخرة، فما يصبو الى عاجل رونق زخرف النافدة أديب، ولا يسمو الى آجل أنيق بهجة نعمة الباقية الا لبيب، علي أن هذه واصية الادلال لمؤثريها، وتلك دائمة البخل لطالبيها.
اذا خفضت هذه أبناءها المتسلين بواهي حبل غرورها من حال أعلي الى حال أدني، رفعت تلك أبناءها المتعلقين بوثيق حبال امها من ذروة قصوي الى رتبة عليا، فشتان ما بين الأولاد والامهات، وبعدا للرتبتين كما بين الأرض والسماوات، ولن يعذر معانق ام تذيقه المكروه من حوادثها تارة في المبدأ، وتارات مضاعفة في العقبي.
قد اغريت بتشتيت الأهل والأقرباء، وطبعت علي التفريق بين الحياة والأحباء، بضروب من طوارق البلاء والغير والمحن، وفنون من حوادث الأسقام والملاحم والفتن، ففي كل سنة مرضة أو مرضتان، وفي كل عام فتنة أو فتنتان.ثم لا أعاين مجدا في المثاب، ولا مرعوبا من الكهول والشباب، كأن قلوبهم صخور قاسيات، وكأن أفئدتهم منخرقة بلا آذان واعيات.
هذا وأنه دهر كل امرئ يومه المحدث، وعمره من الدنيا وقته المورث، ومسكنه منها وسع مضجع جثته، وقوته من مكلها مسد جوعته، وهو في سربه وعقر منزله وحشد أهله، كالوحيد المفرد الغريب، لأن كل منفوس موفد بالرحيل من الدنيا فهو علي ذلك في صفة الحذر المطلوب، ألا فاعتبروا يا اولي الأبصار، واذكروا يا اولي النفاسة والأخطار.